Tuesday, May 20, 2008

لحظة حالمة...

وسط زحام الأوراق , و هى منغمسة فى القراءة و الحفظ, كانت ياسمين تحاول إرغام نفسها على التركيز... محاولة إجبار نفسها ألا تفكر فى ذلك اليوم الذى يقترب ويقترب ... اليوم الذى تنتظره من ثلاث سنوات منذ أن عرفت" يوسف", تخيلت نفسها فى هذا الفستان الزهرى المنفوش... المطرز بحبات فضية تكاد لا ترى من صغرها, الذى إستغرقها ثلاث أشهر لتجده , و شهد صراخ يوسف يأسا أن تستقر على واحد ...

تخيلت ذلك اليوم و هى تجلس بجانبه و الكل محتشد من حولهما, الفرحة تملأ المكان, و العيون تتحدث أفضل بكثير من الألسنة, و الأوراق الذهبية و الفضية و الملونة تتساقط عليهم من كل حانب,, و الورود على الجانبين, تخيلت دموع والديها المليئة بالفرحة و الرحمة, الجميع فرح و سعيد, و لكن مهما بلغت سعادتهم لن توازى سعادتها ...

و بالرغم من جمال هذه اللحظة الحالمة, و لكن عادت لترغم نفسها على مواصلة المذاكرة, فالغد يشهد آخر إمتحاناتها فى الجامعة لتودع الدراسة لأجل هى تقرره, استطاعت السيطرة على افكارها و استعادت تركيزها و لكن الإبتسامة لم تغادر شفتيها الوردية اللون, و الحيوية تملأ وجهها, و ملامحها راسمة الفرحة و التمنى, وخصلات شعرها الذهبى تتسابق لتلمس خديها بنعومة و رشاقة, لتنغمس أصابعها لترغمه على الرجوع ...

و أثناء قرائتها لهذا المقال الذى كان يتحدث عن شكل الطبقات الإجتماعية و تكوينه فى المجتمع, تذكرت محاضرتها الطويلة ل "يوسف" محاولة إفهامه أهمية تناسب شكل الطبقات و تأثيرها على المجتمع و إستنادها بأمثلة بالتطبيق على عدة بلدان, فهى تدرس علم الإجتماع الذى صممت على دراسته ليتوافق مع ميولها للإصلاح , و التى يعشقها يوسف من أجلها , و لكنها لا تتوقف عن التحدث فى السياسة و حال البلد و ما تريد فعله , فتنتقد أحداث اليوم و أوضاع الناس و احوالهم و تستعرض ما يتعرضون له من مآسى , و تظل تتحدث كثيرا و"يوسف" يستمع إليها بهذه الإبتسامة الغنية بالأحاسيس و المعانى, إعجابا بها بل و أحيانا إنبهارا, إحتراما لها, إرغاما لنفسه أن يستمع الى موضوعات لم يتخيل يوما ان يعرف من يهتم بها, فهو بعيد كل البعد عن السياسة و الفكر الإصلاحى, بل لم يخطر فى ذهنه يوما التفكير بها, فكل عمله عبارة عن نظريات و حسابات و مسائل معقدة, بعيدة عن السياسة و الإجتماع, و لكنه يحب" ياسمين" كما هى, فابتسامته مليئة بالحب,الدعم , الإعجاب و الإهتمام, إبتسامة تعطى لياسمين بريق و أمل فى مستقبل مشرق, و تزيدها ثقة بنفسها و بقدراتها, و تزيدها حبا ل "يوسف"....

أصدرت ضحكة عالية ,و لكن لم تلبث و أن اقفلت بكفيها الصوت, فهى الواحدة صباحا, الكل نائم, و كم هو غبى أن يستيقظ أحدهم و يراها تضحك بمفردها ... أخذت ملامحها شكل الجدية مرة أخرى, و لكن بعد لحظات عادت الإبتسامة و هى تواصل القراءة بحماس... جرس التليفون المزعج جدا إخترق أذنيها, فأخذت تمتم بكلمات

تشتم بها إخوتها و تتوعد بقتلهم, فهى تترجى كل من فى البيت يوميا تقليص عدد اجهزة التليفون حتى لا يصبح إتصال أحدهم إحتفالا فى المنزل! و لكن لا أحد يكترث لكلامها.

"السلام عليكم"..

ياسمين:" و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته"

"ياسمين؟"

ياسمين" أيوة, مين؟"

" يوسف فى مستشفى الرحمة يا ياسمين, لقوه واقع على الأرض فى أوضته, مبينطقش"

ياسمين: " يوسف !!! "

فى عدة ثوان كان والدها قد إستيقظ و قامت بإرتداء عباءة الصلاة و أمسكت بيد أبيها و هو مازال بملابس النوم, هى التى قامت بالقيادة , تضغط على البنزين بكل قوتها, مندفعة فى الطرقات.. و أبيها يتمتم بآيات قرآنية و أدعية..

و تسارعت المشاهد فى ذهنها, أول مرة رأت فيها "يوسف" عندما تعطلت سيارتها و قام هو بالتطوع بتبديل عجلة السيارة, حتى تتبعه لها من خلال رقم السيارة, حتى وصل الى بيتها, و سيل الدموع لا يتوقف, و ضربات قلبها تتسارع... و المشاهد لا تتوقف ,عندما كان ينتظرها يوميا أمام المنزل صباحا و هى ذاهبة الى الجامعة لمدة سنتين, لتلتقى عيونهما بدون كلمات , اليوم الذى طرق فيه باب بيتها, اليوم الذى تحددت فيه ميعاد الخطوبة, فرحتها و تعبه معها لإختيار الفستان...

وصلت الى المستشفى , رأت يوسف مع والديه و صاحبه و هو يسنده على كتفه, فابتسمت إإبتسامة دهشة وسط هذا الفيضان من الدموع, و عيناها تلاقت مع عين يوسف الذى قابلها بابتسامة هو الآخر مشاورا بيديه لها, و لكن

تصطدم بها سيارة أخرى, فتنقلب السيارة عدة مرات , عندما وصل "يوسف"

الى السيارة وجد الروحان قد غادرا...

و نذهب و لكن تبقى اللحظات الحالمة..