Monday, October 27, 2008

إستغاثة صامتة...



لم يستوعب الرجل طلبها , إعتقد أنه قد أخطىء السمع , فسألها مرة أخرى ... ذابلة؟؟

و لم يتأكد إلا بعد ان أخرجت وردة ذابلة من حقيبتها , داكنة اللون , متقشفة اوراقها التى تتساقط مع كل هزة, بلا رائحة... قالت له: مثل هذه!

أدخلت الوردة و أخرجت قائمة طويلة مدون فيها العديد من العناوين , لا يمكن حصرها, ثم وضعت على الطاولة مبلغ كبير جدا دون إنتظاره ليقول سعر معين, و هو لم يتحدث! لأن المبلغ كان أكبر بكثير مما كان يريده...

وضعت نظارتها السوداء على عينيها , و قالت له: فى خانة المرسِل, اكتب مجهول.

غادرت و تركت الرجل شاغر فاه من الذهول و الإستغراب, ينظر إليها و إلى القائمة و إلى النقود! و هو يفكر فى طلبها..

فطلبها كان وردة ذابلة لكل عنوان و الإهداء من مجهول.!!

قادت سيارتها فى هدوء تام , ثبات, ذهنها صافى ...

الليل بدأ يخيم, وصلت إلى بيتها الذى تسكن فيه وحدها , دخلت العمارة و لم تقابل أحدا فى طريقها إلى المصعد .

و قبل خروجها من المصعد, فتحت حقيبتها و تركت فيه الوردة على أرض المصعد.

فتحت باب المنزل , لم ترى شىء لأن الظلام كان حالك, و لكنها لم تضىء أى أنوار...

تحسست الطريق إلى غرفتها, وصلت إلى سريرها لتلتقط ثوبها الأسود المفروش عليه, و إستبدلت به ملابسها, و أمسكت بالشمعة التى كانت بجانب الثوب , شمعة صغيرة و هزيلة, أشعلتها و إستخدمتها لتصل إلى شباك التحكم الخاص بالكهرباء, و أقفلت جميع مفاتيحه.



كان الدمع يملأ عينيها, و لكنها لن تتوقف... فات الآوان !!

و لماذا توقف؟ من يكترث الآن؟

أخذت الكاسيت الصغير المجهز ليعمل بالبطارية , فيه شريط خال.

توجهت إلى الحمام, و ثبتت الشمعة على الحوض, و دهنت شفتيها بقلم الكحل حتى أصبحت سوداء تماما, شفاه ميتة !



حررت شعرها من كل ما فيه ...

ووضعت الكاسيت فى أعلى رف قريب من سقف الحمام, حتى يستطيع التسجيل إلى آخر لحظة.


تأكدت أن جميع مفاتيح المياة داخل الحمام قد نزعت و لم يتبقى إلا ماسورة واحدة التحكم فيها من خارج الحمام.

و فتحته من الخارج, ثم أغلقت باب الحمام, , أغلقته بالمفتاح مرتين...

ثم تخلصت من المفتاح من نافذة الحمام, و أغلقت النافذة, و لم يتبقى إلا هى و الشمعة داخل هذا السجن الإرادى.

إستلقت داخل حوض الإستحمام, فغمرت المياة الشديدة ثوبها... و آلمتها قوة إندفاع المياه و لكنها لا تستطيع إقفالها الآن...

إستسلمت لأغتصاب قطرات المياه لكل ذرة فى جسدها, أغمضت عينيها ,, و بكت.. بكاءا شديدا لم يسمعه غير الكاسيت الذى يسجل أنفاسها...

و لولا المياة لما علم أحد بوفاتها...

و حينها فقط علمت كل أسرة من أرسل الوردة و لماذا ذابلة, و لكن كان وقت إنقاذها قد فات...

فقد كانت إستغاثة صامتة...


Saturday, October 25, 2008

تحياتى ... لطبيبي العزيز.



فى أول لقاء جمعنى به, كان الإبتسامة تعلو وجهه, و الإحترام هو ما لا يمكن نسيانه عندما تذكر صفاته...

صوته الهادىء و مظهره المريح يجبرك على ان تقبله و ترتاح له و تحبه دون احتياجك لوقت أطول لتعرفه... تلمس فى معاملته حسن التربية و جمال التفهم, و تلمس فى كلماته ثقة مليئة بالتواضع.

قال لى ان العلاج سيستمر لمدة سنة أو سنة و نصف , مضت منهم سبعة أشهر, رأيته فيها عشرات المرات, لم أتخلف مرة واحدة عن ميعادى, و لم اضيع فرصة إصطحاب العديد من أصدقائى و أقاربى لأعرفهم عليه, الذين كانوا متشوقين لرؤيته من جمال وصفى له ...

كان هو طبيب الأسنان الجميل . دكتور أسامة زايد...

كان نعم الخلق و المهارة...

كان الأستاذ المتواضع و الطبيب الصادق المحترم ...

رحل فجأة بعد فترة مرض قصيرة, رحل و لم تسنح لى الفرصة بزيارته او بتعبيرى له عن مدى إحترامى و إعتزازى به...

رحل و قد لمست وفاته أعماق قلبى, و كم زلزلنى خبر وفاته ,وأوجعنى رحيله بالرغم من معرفتى القصيرة به...

رحل و هو تارك سمعة طيبة و سيرة جميلة تفخر بها عائلته و يفخر بها كل من يعرفه.

كان خير قدوة يقتدى بها , و خير رجل يعتمد عليه... و خير طبيب تثق فيه ...

رحل فى الخامس عشر من أكتوبر ... و لكنى لم أعلم بوفاته إلا اليوم ...

رحل و هو ما يزال فى ريعان الشباب... و لكن لم و لن تمحى وفاته حبنا ولا إحترامنا له ... و لن يقدر الزمن ان ينسينا إياه .

لن انساك يا طبيبى العزيز ... سيحفر حزنى صورتك الطيبة فى ذاكرتى , و ستظل نعم الطبيب و نعم الإنسان...

و لك فى قلبى كل الحب و التقدير ... و ما هذه الكلمات إلا محاولة ضعيفة منى أن أعبر عن مدى صدمتى و حزنى لرحيلك... و تخليدا لسيرتك الطيبة العطرة... و شكرا لك... و تحية منى لعائلتك الكريمة التى لها كل الفخر ان تكون عائلتك.

و ما دموعى إلا دليل على صدق حزنى ...

نعم رحل...

و لكن أملى ليس له حدود فى ان يتجاوز الله عن سيئاته , و ينعم عليه بالجنة.

اللهم ارحمه و بلغه الفردوس الأعلى و احشره مع الصالحين.

تحياتى يا طبيبي العزيز...