Sunday, November 30, 2008

و حنين لا يكفى ...



استيقظت فجأة, نظرت إلى الساعة وجدتها الساعة الثانية والنصف صباحاً... نظرت إليه بحب وهو مستغرق فى النوم بجانبها... وعلى وجهه إبتسامة رضا وإطمئنان... ابتسمت وهى تتسلل من تحت يديه بعد أن رفعت الغطاء خوفاً أن يستيقظ...


إرتدت الروب..
فتحت باب الشرفة.. خرجت إلى الهواء.. كانت السماء صافية والطقس جميل مائل إلى البرودة... ظلت متأملة فى السماء للحظات وجسدها يرتجف بين الحين والآخر عندما يداعبها الهواء البارد...
قالت لنفسها بحماس "الآن ! ولم لا !؟"
دخلت مسرعة إلى على ...
ايقظته بلمسات حانية.. صوتها كان عال منتعش وكلماتها تكاد تكون غير مفهومة من سرعتها... استيقظ مفزوع وقبل أن يتفوه.. وضعت يدها على فمه وأخذت تتوسل إليه أن يقوم ليرتدى ملابسه ليخرجا الآن ..
" ها ... لماذا...؟ " قالها وهو مازال يفرك عينيه ليجبر نفسه ألا يغفو مرة أخرى !!
لم تجاوبه.. أضاءت نور الغرفة.. فتحت خزانة الملابس وهى سعيدة يملؤها النشاط والحماس...
" ماذا تريد أن ترتدى؟ .. هذا... بل هذا".. قالتها والضحكات تفصل كلماتها ...
وهو ينظر إليها بحب .. باستغراب وإستنكار وهو يتساءل سراً "يا ترى ماذا سنفعل اليوم؟  أياً كان سأستمتع مادمت بجانبي.. ألا أحبها؟
ارتدا ملابسهما... وهو ينظر إليها فى حيرة .. " ماذا الآن؟ "
لم تتحدث كثيراً, فقط كانت تضحك وتجيب على كل سؤال بقبلة, فيتقبلها ويصبر وهو يبتسم !
ارتدت حذائها , لفت نفسها بشال أحمر تعلم أنه يحبه..
 فتحت الدرج وأخذت منه حقيبة بلاستيكية صغيرة , لم يلبث أن يرى ماذا يحتوى حتى أخفته فى حقيبتها بسرعة, لم يسألها لأنه يعلم أنها لن تجاوبه ...
- " الصبر طيب " قالها محاولاً تهدئة نفسه..
وقفت أمامه وتأكدت من أن ملابسه مهندمة...  قبلته مرة أخرى, وهو قد بدء يستشيط غضباً.
أمسكت يده وتسللا ببطء على السلم حتى لا يستيقظ والديه الذان يعيشان معهما فى نفس المنزل..
خرجا من باب المنزل.. الظلام مازال حالك والبرد لطيف.. الشارع خال ... 
كان ينظر حوله فى حيرة ويتساءل ماذا الآن؟
 نظر إليها فوجدها بدأت تجري متجهة إلى السيارة وهى منتشية..
كان يشاهدها بحب و قد أجبرته تصرفاتها على الابتسام..
فهو يحبها فى كل الأحوال... ولكنه لم يراها سعيدة بهذا القدر من قبل ... تبعها وهو يضحك على نفسه!
 وصلا إلى السيارة.. تولى هو القيادة وهو ينظر إليها فى يأس أن يستوعب ماذا يحدث .. أدار محرك السيارة وأنطلقت السيارة.. أزاحت هي سقف السيارة, وأخذ الهواء يضرب وجههما وجسدهما..
 هى مستمتعة و سعيدة.. بدأت تصرخ من الفرحة والإنسجام وهو ينظر إليها فى سعادة وذهنه يقول "مجنووونة" .. ثم بدأ يصرخ هو الآخر وهو يضحك "إلى أين؟ "...
لم تجاوبه.. فقط أغلقت عينيها وبسطت ذراعيها كأنها تحتضن الهواء ...
ففهم ما تريده...
 استغل ان الشوارع خالية فأخذ يزيد من السرعة.. وهى تصرخ أكثر.. فهو يعلم كم تحب الهواء والسرعة ...
 إتسعت إبتسامتها... لأنه فعل ما كانت تريده ...
نظرا إلى بعضهما .. نظرة تفاهم ..  إقتربت منه .. مستمتعة بالهواء والسرعة ... وهو يفكر كيف يشعر بكل هذه السعادة لمجرد أنها معه؟ مع أنها ترهقه احياناً ولكنه راضي أنه قادر على إسعادها بهذا القدر ...
و هي أيضاً كانت تنظر إليه برضا وحب ... نظرة تغمره بالدفء بالرغم من برودة الجو.
فتحت حقيبتها لتفتح هذه الحقيبة البلاستيكية الصغيرة..أصابته الدهشة وتأكد انها مجنونة بالفعل عندما بدأت فى نفخ البالونة تلو الأخرى ... 
بعد أن نفختهم جميعاً , وطدتهم بنفس الحبل.. ثم أطلقتهم فى الهواء... وأخذت تشاهد هذه الكتلة الكبيرة وهى تطير فى الهواء الطلق...







نظرت إلى البالونة الأخيرة فى يدها...
وطلبت منه أن يوقف السيارة أمام البحر ...
بدءا فى المشى ..
شكرته لأنه لم يخذلها و لبى رغبتها... 
 ألصقت جسدها به ليحتضنها...
احتضنها وهو يتنهد .. راض بقدره أن تكون زوجته الحبيبة مجنونة..  فعلمت بما يفكر فضربته ضربة خفيفة على صدره.. فأخذا يضحكان ...
مرت ساعتان... وهى لم تتوقف عن شكره ...
وهم جالسان يتبادلان الأحاديث والحكايات ..
لم يشعرا بالوقت يمر..  بل شعرا أنهما امتلكا الدنيا بما فيها.. .إحساس الفرحة والرضى والإطمئنان يغمرهما ...



توقفا عن الحديث لفترة.. مستمتعين بالسكون من حولهما ... وبوجودهما مع بعضهما... فهو لم يشعر بهذه السعادة كما شعر اليوم...
 هل الشروق..
 كانت قد نامت على كتفه...
كم يحبها وهى بسيطة... وكم يعشقها وهى مجنونة وبريئة..
فحملها إلى السيارة ...
نامت طوال طريق العودة , وهى ممسكة بالبالونة الوحيدة التى لم تنفخها...
....................................................................................................

فتح باب المنزل وهو ممسك بالبالونة... القى التحية على والدته التى كانت تتناول الفطور 
و صعد إلى غرفته!
وصعدت أمه بعد مدة ...
طرقت الباب.. و لكن كالعادة ليست هناك اجابة...
فتحت الباب.. وجدته نائم وبجواره صورتها والبالونة الفارغة...
نظرت إليه فى حسرة وسألت الله أن يزيل همه...
 فقد مرت ثلاث سنوات منذ وفاتها فجأة وهو على هذه الحال..
وهى مازالت تجهل إلى أين يذهب منذ الساعة الثالثة حتى السادسة صباحاً يومياً !
و ما قصة هذه البالونة !؟

خرجت.. ففتح عينيه وهو مستلقي على سريره يتأمل فى البالونة.. فهى ما تبقى منها..
فقد أطلقت السعادة بعيداً و تركت له ذكراها.. 

و مازال الحنين لا يكفى ...



Thursday, November 27, 2008

حديث الفراق...

طلبت مني أمي أن أجهز حقيبتي ... و قد فعلت في دقائق

كان الطريق طويلا و مظلما و أنا شاردة, ناظرة إلى السماء... أفكر كيف أتوقف عن التفكير و التذكر, بالرغم من أنني لا أريد النسيان


وصلنا البيت فى القاهرة و استقبلتنا نظرة حارس العقار بحسرة و حزن و هو يقول البقاء لله

نعم إنها ثواني و سوف أكون هناك ... لا أريد أن أصعد ولكن ليس لدي مكان آخر أقصده

فتحت أمي الباب و لم أستطع الهروب من الرائحة التي اخترقت أنفي.. إنها رائحتها, مع مزيج من الروائح الأخرى .. مسك و ماء
الورد و رائحة بكاء و حزن لا يمكن ألا تميزها

إنه نفس المنزل الذي غادرته منذ ثلاثة أيام ... نفس الأثاث و نفس الترتيب... و لكنه أصبح شيخا حزينا و مظلما فجأة

هناك شيء ينقصني كي أشعر أنه بيتي... إنها هي

غادرت منذ ثلاثة أيام معها و قد فارقتها روحها... و ذهبت أنا لأفارقها و أعود بدونها, و لكنى سلكت طريق مختلف بعيد عن طريق روحها المجهول

اتكأت على مسندة السلم الحديدية, و لم يتوقف ذهني عن استرجاع كل شيء حدث في ذلك اليوم... كل ثانية... كل ما شعرت به... كل من كان يتحرك فى هذا المكان فى هذا اليوم

و بدأت الأرض تروي لي كيف استقبلت دموعنا في تلك الليلة, و حاولت الجدران احتضاني و لكني رفضت خوفا من أن أقتنع أنها ذهبت و تركتني بالفعل ... مازلت أشعر بها هنا ... و لكن شعوري لم يستطع التغلب على ذاكرتي

و مع كل درجة من درجات السلم أتذكر

نعم تذكرت صرخة أمي لأنها لا تسمع صوت أنفاسها, و تذكرت نفسي حافية القدمين أهرول لأثبت لها أنها بخير و أنها لم تفارق الحياة ... و أن كل شيء على ما يرام... و لحق بي إخوتي

وجدتها نائمة على جنبها الأيمن و عيناها مفتوحتان... و يدها اليمنى فوق اليسرى على السرير

نعم نائمة

اقتربت و ضربات قلبي تدق بقوة و ناديت عليها و لم تجاوبني, أمسكت يدها و لم تقاومني... راقبت أنفاسها بحذر و لم تكذب علي عيناي ... فليس هناك من شيء يدخل أو يخرج

إنها نائمة نعم و لكنها لن تصحو

لم اعى لما حولي حتى سمعت أخي ينادي على جارنا الطبيب الذي أتى بملابس النوم

و أفسحت له الطريق حتى يقول لي أنها تحتاج مستشفى أو أن نبضها ضعيف , ولكنه لم يقل شيئا

لم يقل غير البقاء لله

و غادر و تركنا مع ألمنا و حسرتنا

لم أقل شيئا.. أمسكت يدها ووجهي في السرير ... و لم أقل .. دموعي قالت و كل جسدي صرخ

نعم تذكرت كل ذلك
إنها غرفتها.. أأدخل؟ نعم سأدخل

و دخلت و رأيت الغرفة غير المرتبة......شممت رائحتها مختلطة بالروائح التي استخدموها في غسلها

فأنا بجوار سريرها... و رائحتها لم يقدر عليها هواء ثلاث ليال ... كل شيء كما هو و لكني لم أرك

هنا حدث كل ذلك

هنا أخذت الأقدام تأتي و تغادر من حولك ...هنا بكت الأعين.. و من هنا حاولوا إخراجي من غرفتك و لم أوافق,
هنا قاومت و حاربت كل من حاول أن يفرقك عني لأظل بجانبك حتى آخر لحظة

و هنا فارقت روحك هذا الحياة اللعينة

هنا قُرئت عليك آيات القرآن , و هنا أجهش صوتنا دعاءا و بكاءا .. حسرة على فراقك و رغبة في أن يرحمك الله
هنا نمت بجانبك جسد بلا حراك... ساكن .. ميت ... هنا أغمضت عيني و أرخيت جسدي و نمت بجانبك و لم اخف
لم أخف إلا من فراقك

و قد حدث

هنا غطوا وجهك بالملاءة ليعزلوكِ عن الدنيا ... ليثبتوا أنك رحلت

هنا لم يستجيبوا لرغبتي في أن أرى وجهك حتى آخر لحظة ... و استسلمت لوجودك بجانبي و أنا لا أرى منك شيئا
و هنا تشبثت يدي بيدك حتى طلعت الشمس ... و أيقظوني

و ظهرت السيدتان بالنقاب, يقرؤون علينا السلام و يدعون إليك بالرحمة ... يسألون اين الكفن !! ؟

كفن؟

أ توفيت حقا؟

ألن تفيقي مرة أخرى لتحتضنيني و تدعي لي؟

نعم.. بدأوا ينقلون أدوات الغسل

كان علي المغادرة لأني لم أستطع أن أشهد دليل ذهابك بلا عودة

كان علي أن أغادر أفضل من أن أراك ترحلين عني و أنا مغلولة الأيدي

و رحلت بردائى الأسود ليس حدادا على روحك و إنما حزنا على رحيلك و إعلانا عن انطفاء شمعة جميلة و دافئة في حياتي , سيصيبنى البرد و الظلام من بعدها

رحلت و قد كنت نور حياتي , قد كنت مصدر دفئي

رحلت و أنت كالشمعة التي كانت تحرق ذاتها من أجل الآخرين

و أنا رحلت ... بشفاه متشققة و عيون مخبأة وراء نظارات سوداء... خرجت إلى الشارع , ووجدت السيارات ووجدت الناس كما هم و الحياة كما هى ! و اندهشت ... فكيف لم تتوقف الحياة لرحيلك؟ و كيف سأحيا فى هذه الدنيا الغريبة علي و أنت لست فيها؟

جلست على الأرض بجانب سريرها و أنا أتذكر ... كل ما حدث ... و تذكرت

عندما قابلنى ألأصدقاء بالأحضان التي ارتميت فيها و أنا أجهش بكاءا و داخلي يتمزق و لا يكاد يصدق أنك رحلت, لم أشعر بشيء غير البرودة .. و تبلدت ... و عدت إلى المنزل و قد رحلوا و أخذوكِ لمحطتك الأخيرة فى الدنيا

و أصبح المنزل خاليا , و أصبحت فيه وحدي

نعم كل ذلك اصبح ملك ذاكرتي .. أملاك لن يفرط فيها قلبي

تذكرت و أنا وحدي أراقب كيف أزاحوا الكراسي ليمر كفنك, و كيف أزاحوا السجاد حتى لا تبتل بماء غسلك ... و تذكرت النوافذ المفتوحة لتطرد رائحتك و رائحة المسك و الورد الذى غسلتى به

تذكرت و أنا وحدي .. أدبر الحقيبة لأسافر و أحضر عزائك

و تذكرت الطريق الطويل الذي ناديت عليه لأسأله إن كان سيكون سببا في قبض روحي ... ووصولي كان إجابته بأن موعدها قد حان و لكن علي أنا الانتظار

و تقبلت إجابته, فليس لدى خيار آخر

وصلت ووجدت صوان العزاء و المئات يتوافدون, يلقون السلام و يتصافحون, منهم مبتسمون و منهم ليس على وجههم أي تعبير, و صوت آيات القرءان تخترق أذناي و تعلن عن رحيلك لكل هؤلاء الناس و تعلن لي بأن اللقاء أصبح شبه مستحيل

و دخلت عزاء السيدات ... و لكن لم تحملني قدماي و ساندني أخي حتى وصلت

نعم يا حبيبتي قد رحلت عن الدنيا و لكنك لم تفارقيني ... لم تتركيني كما وعدتني دائما

مرت أيام العزاء.. استقبلت فيهم أنا و أهلي الكثيرين ... معظمعم أتوا للواجب و قليلون حزنوا عليك .. كلهم قالوا "البقاء لله" و كلهم أخذوا يواسونني بنفس الطريقة

منهم من قال أنك كنت عجوز و الطبيعي أن تغادري ,
و منهم من قال مريضة و الموت لها راحة لابد أن نشكر الله عليها و لا نحزن,
و منهم من تفننوا فى الخرافات الخاصة بالموت .. البكاء ليلا يحرق المتوفى و البكاء نهارا حرام شرعا و آخرين قالوا كفر .. منهم من قال أننا أنانيون لأننا لا نشعر بالراحة لراحتها.. و الكثير من الكلام الذي لا ينقصنا و لا ينقصنا أصحابه


دموعي لم تفارقني

ثم توقفت الدموع فجأة و لم أعد أستطيع البكاء

و انتهى شريط هذه الذكرى و مازلت لا أستطيع البكاء , مازالت لا أشعر بالحزن .. بل أشعر بالراحة و الاطمئنان عليك وشوقي إليك لا تصفه كلمات

و احتياجي لك لن يقل يوم بعد آخر و لن يعوضك أحد

لا أعلم متى سأغادر أو كيف ستكون حياتي و لكني أعلم أنك ترينني و يمكنك الإحساس بي ... فأريدك أن تعلمى أننى احبك .. كما لن احب احد

أنا أردت أن أخلد لحظة رحيلك لأني أريد أن أنساها ... فلدي الكثير من الأشياء الجميلة عنك لأتذكرها

و أنا مازلت أتنفس ‍