Thursday, May 1, 2014

أمنية..


في طريقي للمنزل..

كان حاملاً للعديد من الأكياس البيضاوية الملونة.. المملوءة هواء وبعض السكر المتنكر في صورة قطنية.. إنها أكياس غزل البنات.. في هدوء كان يمر أمام كل السيارات التي لم يجبرها إلا إلزحام للتوقف له.. كان يقف بإبتسامة يعرض أكياسه خفيفة الوزن للبيع..  معظم سائقو السيارات لم يعيروه إنتباه.. بعضهم لم ينظر حتى إليه.. والباقي لوحوا بإيديهم شكراً حينا وحينا قالت أيديهم بصوت غير مسموع "إبتعد عن هنا أيها الحثالة"..

الجميع كان منعزلاً داخل سيارته المكيفة.. أما هو فكان منخرط تماماً في عمله وكأن حرارة الشمس الحارقة و العرق الذي يتصبب من كل أنحاء جبينه لا وجود لهما..

كانت سيارة من بين كل عشرة سيارات تبتاع منه كيساً أو أثنان.. وإبتسامته لم تفارق وجهه..

جاء دور سيارتي لتستقر أمامه.. وبنفس الإبتسامة أشار إلى أكياسه لعلني أبتاع منه.. فقلت له: "أعطني عشرة أكياس من فضلك"  فرد بسعادة: "من عيوني"

ورأيت كيف أنفرجت أساريره من الطلب.. وأخذ يقطع الأكياس بحماس..

أعطاني ما طلبت وأعطيته ما طلب.. ولسبب ما أعددت الأكياس ووجدت أن بحوزتي إحدى عشرة فقلت له: " من فضلك معي أزيد مما طلبت بواحد وهذا حسابه"..  فقال:" نعم أعلم ولكنه هدية مني لك.. "

أحببت الرجل أكثر.. فأخرجت مبلغاً آخر من المال وقلت له: "أيمكنك أن تقبل ذلك مني؟" فنظر إلي نظرة بها من العفة والإحراج.. الحزن والتوسل بألا أكرر طلبي حتى لا يزيد إحراجه.. وفهمت.. وفهم هو أنني فهمت.. وإنصرف عني ولكني لم أنس إبتسامته العزبة ولا العفة في صوته ونظراته.. ربما يملك هذا الرجل من العزة ما لا يملكه العديد من راكبي السيارات الفارهة..

وفي اليوم التالي رأيته.. من شرفة منزلي.. وعلمت أنه ربما أتخذ من هذا الموقع مقراً له لإزدحامه الشديد.. كنت أراقبه كثيراً لا أدري لماذا.. ربما لأنه رغم ظروفه الصعبة قدر على الإحتفاظ بالإبتسامته وهو لا يملك عُشر ما نملك.. ونحن مهما تراكمت ممتلكاتنا وإنجازاتنا مازلنا نلعن الدنيا ونلعن أنفسنا..

بدأت تصويره كل يوم لمدة بضع دقائق.. دقائق متفرقة.. أحياناً من شرفتي وأحياناً  من الشارع.. ورأيت كيف يعطي إبن حارس العقار غزل البنات دون ثمن.. ورأيت كيف يُقبّل المال قبل أن يضعه في جيبه.. ورأيته وهو يكف عن العمل ليصلي في الجامع.. فعلت هذا لبضعة أيام.. ربما أسابيع.. ولا أدري ما الذي شدني إليه.. ولكن كان به شئ جاذب لي..

في اليوم التالي أردت أن أذهب إليه وكلي شغف أن أسأله عنه.. عن حياته.. عن أولاده.. ولماذا يعمل هو بهذه السن..  ولكن إستحيت فطلبت من حارس العقار أن يسأله كم يكسب في اليوم.. وأن يبشره بأن المبلغ سيصله كل شهر دون الحاجة للعمل..

ولكن جاءني رد حارس العقار بأنه لا يعمل من أجل المال.. ولكنه يحب أن يكون وسط الناس..

فاجئني رده أن يحب هذا الرجل أناس معظمهم لا يكترثون لأمره.. لا يهتمون بوجوده أو بما يفعل..  ربما يعتقده معظمهم عالة وحثالة لابد من القضاء عليها لتنقية البلد من هذه المظاهر الغير حضارية..

فذهبت أنا بنفسي إليه.. وقلت ومحاولة إنتقاء الألفاظ كي لا أجرحه: "يا حاج أرئف لحالك وأنت تقف يوميا في هذا الطقس الحار.. فلماذا ترفض أن يأتيك المال وأنت تستمتع بما تبقى لك من العمر.. ؟"

فرد عليّ دون إستغراب من سؤالي ودون أن يتردد: "لا أملك من الدنيا شيئاً ولا أحداً.. لا أريد أن أموت وحدي.. أنا في هذا المكان منذ أكثر من عشرين عاماً.. ربما عندما أتوفى يتذكرني أحدهم بإبتسامة.."

مرت سنوات.. وحال الرجل كما هو.. وحال الناس كما هو.. إلا أن وهنه زاد أكثر.. بدأت أصوره من جديد.. كل يوم.. حتى جاء يوم اختفى فيه "عم صبحي".. فسألت الحارس قال أنه لم يأت اليوم..

غاب عم صبحي لأكثر من أسبوع..  سألت الحارس عن عنوانه فقال أنه يعرفه.. أعطيته مبلغاً من المال وطلبت منه أن يزره ويطمئنني عليه..

وحدث ما كنت أتوقعه.. كان عم صبحي مستلق على فراشه..مريض.. عليل..  ربما ينتظر الموت.. لا يملك من الدنيا شيئاً كما قال ولكنه لم يعلم أن لا أحد تذكره بإبتسامة أو بسوء.. لم يكترث العالم ولا المارة الذين حفظوا وجهه له من الساس.. لم يفتقده أحدهم.. لم يستطع كل طفل أخذ منه كيس غزل البنات مجاناً أن يرد له الجميل..

فقررت أن أفعل له شيئاً..

جمعت كل اللقطات التي قمت بتصويرها.. صنعت فيلماً قصيرا منها.. ربما كان واضح تدهور صحته وضوحاً جلياً في افيلم.. واختتمته بأنه عاش حياته وسيفارقها بعد قليل ولم يكن له إلا أمنية واحدة.. أن يتذكره أحدهم بإبتسامة.. أن يشعر أنه جاء الدنيا بالفعل .. أنه كان هنا..

وعلى الموقع المشهور رفعت الفيلم القصير وطلبت مٍن منَ يكترث أن يشاركنا زيارته بعد ثلاثة أيام.. لم أكن أدري هل سيصمد لهذا التاريخ أم لا..

مرت الثلاثة أيام وشاهد الفيديو الآلاف.. وذهبت جموع لزيارته..

ورغم الأثقال التي شعرنا بها على صدره وهو يستنشق الهواء إلا أن إبتسامته هذه المرة كانت إبتسامة حقيقية.. إبتسامة رضا عن يقين.. وكأنه كان يبتسم طوال حياته من أجل هذه اللحظة..

استمر بعض الشباب في زيارته ومنهم من تكفل بعلاجه.. ومنهم من تكفل بطعامه.. حتى فارق الحياة..

فارق عم صبحي الحياة ولكن شهدت جنازته العديد من الناس.. كل كان يدعي له.. بعضهم كان يبكي.. بعضهم كان صامتاً.. ولكنني على يقين بأنه هو من سيتذكرنا اليوم بإبتسامة.. ونحن من سنتذكره باسى.. لأنه يذكرنا بكم نحن مشغولون بانفسنا وحياتنا.. كم من ذنب يومي نرتكبه لأننا لا نريد أن ننشغل بأحد غيرنا..

وكعم صبحي ملايين يعيشون على هذه الأرض.. لا يطمعون في جاه أو مال أو سلطة.. لا يطمعون في دنيا.. لا يريدون من الدنيا شئ غير قدر من الإهتمام..

الاهتمام..

Friday, February 14, 2014

في حضن رجل..



حضرت طعام اليوم.. صنعت له طاجن اللحم الذي يفضله..
وصل الأولاد من المدرسة.. حضرت لهم الطعام  قبل ميعاد وصول أبيهم حتى يتسنى هم البدء بالإستذكار..  وإنتظرته هي كعادتها..

رن هاتفها..
"حبيبي.."
"نهلة.. إزيك.."
"الحمد لله.. إيه هتتأخر إنهاردة؟
"لأ أنا جاي في الطريق وعايز نتغدى بره النهاردة.. عايزك في موضوع مهم.."
"أنا جهزت الأكل خلاص.. بس حاضر زي ما تحب..إنت كويس طيب قلقتني..؟"
"آه كويس.. حضري نفسك 15 دقيقة وهاكون عندك إن شاء الله"..
"حاضر.."

تملك منها القلق.. كانت تحدث نفسها..  لماذا يبدو صوته جاد لهذه الدرجة؟ ماذا حدث له؟ لماذا لا نتكلم في المنزل؟ يا رب خير..
تركت الخادمة مع الأولاد..

جاء... خرجت له.. إستقلت السيارة.. قبًلها.. قبلته.. إنطلق بالسيارة في صمت..

نظرت له وهي حائرة.. ماذا يختبئ وراء كل هذا الغموض.. حاولت أن تساله ولكنه رفض أن يفصح عن ما في قلبه حتى يصلا..
صمتت.. الإنتظار كاد أن يقتلها..

وصلا المطعم ولاحظت أن عينه تتجنب النظر لها.. فبادرت بالسؤال..
"هادي.. أنت كويس؟ مالك؟ فيه مشكلة في الشغل؟ مشكلة فلوس؟ فيك إيه"؟
نظر إليها بإستحياء..
"هكلمك بصراحة ومن غير لف ولا دوران.. بس أرجوكي حاولي تفهميني وتتحكمي في إنفعالاتك"..
"ماشي ده شكله موضوع خطير أوي.." قالت وهي تضحك ساخرة من جديته..
"إنتي عارفة أنت حب حياتي.. بس الحقيقة أنا بقالي فترة مخبي عليكي حاجة عارف إنه من حقك تعرفيها.. بس ده من خوفي علينا"
"أيوه أنا سامعاك"..
"الحقيقة أنا متجوز واحدة تانية بقالي تقريباً سنة.. ماعتقدش أن عمري قصرت معاكي ولا حسستك إني مش موجود"
لم تختفي إبتسامة نهلة.. وهي تسمعه..
هزت رأسها ليكمل..
فبدأ يتلعثم وهو يكمل حديثه لا يدري ماذا تعي هذه الإبتسامة..

" حبيبتي أنا عارف إنك مصدومة فيا.. بس أنا غصب عني حبيتها.. هي زميلتي في الشغل.. إنسانة محترمة جداً.. كانت مطلقة ولا تنجب.. بسرعة الأمور بيننا إتطورت ولقيت نفسي بتعلق بيها.. بس ده عمره ما قصر على شعوري تجاهك.. ولا قلل منه.."

"تمام.. وإيه المطلوب مني؟"

"أنا بس ضميري كان مأنبني أني بكذب عليكي. وشايف إنه حقك تعرفي.. وإتأخرت في مصارحتك عشان أثبتلك أن علاقتي بيك مش هتتقصر بوجودها وأن حبي ليكي مافيش حاجة تهزه.."

"بتحبها أكثر مني"

"لأ طبعا.. إنتي حاجة وهي حاجة.."


"طيب أنا بس كنت بطمن.. ماتقلقش حبيبي.. أنا مسامحاك.."

"مسامحاني بالسهولة دي؟"

"ايوة مش أنت مبسوط؟"

"مبسوط لو إنتي مبسوطة؟"

"وأنا مبسطة طول ما إنت مبسوط وعندك حق.. مافيش حاجة إتأثرت.. أنا كنت مبسوطة جدا معاك.. وهافضل مبسوطة.. يعني كله زي الأول إيه الجديد..؟"

"مش شايفة إن في حاجة جديدة؟ مش غيرانة؟"

"إللي بيحب يغير لصالح إللي يحبه.. يعني يغير عشان يخليه مبسوط.. سعيد أكثر.. لكن الغيرة دي حب تملك.. وأنا عمري ما كنت عايزة أمتلكك"..

"حبيبتي ربنا يخليكي.. متتصوريش ريحتيني إزاي.. طول عمرك عاقلة.. وأنا أوعدك عمري ماهجيب سيرتها ولا عمرك هتشوفيها.. وهتفضل حياتنا زي ما هي.. "

"طبعا يا حبيبي هتفضل ي ما هي.. إبتسمت له وقالت مش نطلب الأكل بقى؟

لم يفهم هادي ما جرى رغم إرتياحه بردة فعلها.. هل حقاً قبلت بهذه السهولة؟ لماذا لم تصدم حتى؟ لماذا لم تندهش؟ أكانت تعلم من قبل؟ لماذا هي مبتسمة؟ ألا تحبه؟ ألا تغار عليه؟ ألا تتألم أن إمرأة أخرى تشاركها فيه؟
إنتها من الأكل. وصلا منزلهما.. قضيت الليلة وزوجته مازال مبتسمة.. مازالت رائعة كعادتها.. تخدم الجميع.. هادئة.. بشوشة..

ولكن داخله شئ كان ينغص عليه الراحة.. ربما لم يشعر بقيمته عندها.. بعد عشر سنوات من الزواج.. لم يشعر أنها إهتزت عندما سمعت الخبر حتى..

مرت أكثر من ثلاثة أشهر.. وزوجته لم تتغير.. لم تمنع نفسها عنه.. لم تغير معاملتها.. لم تسأل عنها مرة أخرى.. لا شئ تغير.. لا شئ ابداً.. لم يرها تبكي مرة حتى.. لم يسمعها مرة تسأله إن كان يحبها أكثر منها.. إن كان يراها جميلة كما كانت من سنوات..

وبدأ يتأملها.. أحقاً يعرفها؟

أحقاً يعرف من هي وكيف تفكر وكيف تشعر؟

ولكن لماذا ترك لنفسه المساحة ليحب أخى.. أقصرت في حقه يوما؟

نعم ربما أصبحت أقل اهتماماً به.. من أجل الأطفال.. ربما أصبحت أقل اهتماما بمظهرها.. بسبب ما عليها من أعباء.. ربما زادت بعد الكيلوجرامات.. ربما تغير شكلها قليلاً.. وزوجته الأخرى توفر له كل ما هو ناقص عندها.. فاصبح لا يلومها على تقصيرها في حقه.. أصبح لا يتشكى من فقدان الرومانسية بينهما.. فهناك أخرى تقوم بهذا الدور..

ولكن مازال لا يفهم ردة فعلها..فهي ليست طبيعية أبدا لزوجة أفنت حياتها من أجله ومن أجل أولاده.. على الأقل تخاصمه فيحايلها.. تغضب فيهدئها.. تترك المنزل فيقدم لها الهدايا ويترجاها لتسامحه! ألهذه الدرجة لا تهتم بوجوده..

نعم فاولادها هم حياتها.. أما هو فأصبح على الهامش.. ليس له نفس الأهمية كسابق..  لم تعد تحبه كما كانت تفعل من قبل..

نعم لهذا تسببت هي في هذا الوضع.. لعلها تعلم كل ذلك وتريده..

رغم أنها لم تتغير معه أبداً.. تغير هو معها شيئاً فشيئاً.. بدأ ينهرها لأتفه الأسباب.. يتشاجر على أشياء فارغة.. يخاصمها.. يستفزها.. لعلها تغضب مرة وتقول أنها تحملت كثيرا.. أنها لم تعد تطيق التفكير به وهو مع أخرى.. أن تفعل أي شئ.. ترميه بشئ حاد.. تبكي.. تحزن.. على الأقل تحزن!

ولكنها كانت كالصخرة.. لا يؤثر بها شيئاً..

بدأ يحدث بينهما هذا الفتور..
هذا الجفاء التدريجي الذي لا يقوى على تفسيره أحد..
كثرت لحظات الصمت بينهما..
برودها يقتله.. يمزقه.. 

حتى أصبح يغادر المنزل باكرا يقضي طوال النهار في العمل.. وليلاً عند زوجته الأخرى.. ويعود في المساء.. فتقابله نهلة بنفس الاهمتام.. بنفس الإبتسامة..
فيستشيط غضبا..

كاد أن يضربها عدة مرات.. يصرخ فيها.. لأنها لا تشعر بشئ.. قلبها متحجر.. مشاعرها باردة جامدة..
ثم قرر  أن يترك المنزل.. ربما تشعر بغيابه.. فهو لم يعد لها مكان معها على أية حال..
ومرت عدة شهور أخرى..

لم تحادثه ولو مرة..
لم تكلمه لتطمئن عليه..
وبات يرى أولاده في المدرسة فقط.. ويرسل معهم النقود..
وقلبه يتمزق على فراقها.. فحبها كان ما ينير عليه حياته لسنوات.. لم يتصور أن يفقدها بهذا الشكل أبداً.. لم يتصور أن يكون دون قيمة عندها..

حتى جاء هذا اليوم.. الذي فسر كل تصرفاتها..
جاءه ذلك المظروف.. في محل عمله..
لم يصدق ما رآه..
أغلق باب مكتبه..
أخرج كل الصور من المظروف..

أخذ يدقق النظر.. نعم إنها زوجته.. نعم.. هذه تفاصيل جسدها التي يحفظها عن ظهر قلب..
ومن هذا الرجل بجوارها.. من هذا الرجل الذي يحتضنها.. يقبلها!
كاد عقله أن ينفجر.. لم يستوعب ما يرى..

زوجته ورجل آخر في أماكن متفرقة.. على سرير مرة.. جالسة مرة.. مستلقية مرة.. واقفة..
زوجته في حضن آخر..

نظر في المظروف لعله يجد أي علامة من أرسله.. أرسل إلى العام بالمكتب يسأله.. قال شخص على دراجة نارية أوصله..
لملم الصور بسرعة.. وترك مكتبه..
كان يقود سيارته وهو يبكي.. يبكي بحرقة..  ألهذا لم تكترث لزواجه.. من هو هذا الرجل.. من أين عرفته. منذ متى؟ وهل تعرفه حتى الآن؟ أين يتقابلا؟ ماذا يفعل معها حين تذهب إليها؟ هل رأى جسدها كما رآه هو؟ سيقتلها.. سيقتله.. سيقتلهما..

لا فهي لا تستحق أن يلوث دمه بيدها..
ولكن على الأقل يواجهها.. يعاتبها.. كان قلبه يحترق.. فكان حقا يحبها ولم يتوقع أن تفعل هي ذلك... ولكن متى.. فهو لم يشك بها لحظة.. لم تغادر المنزل ولا مرة دون علمه.. كيف تفعل ذلك! كيف!
وصل بيته.. أخرج المفتاح وهو في تردد.. ماذا ستفعل عندما يواجهها..

هو داخل المنزل كان يبحث عنها.. وجدها في غرفتها تصلي.. إنتظرها حتى إنتهت من الصلاة.. قام بالتصفيق..

"لا بجد برافو عليكي! قادرة إزاي تصلي وإنتي بتعملي ده! يا سافلة! يا خاينة!"

لم تدر ظهرها.. لملمت المصلاة.. خلعت طرحتها وبهدوء نظرت إليه.. كانت تتفحص وجهه فقد مرت بضعة أشهر منذ آخر مرة رأته..

أخرج الصور.. وألقاها متفرقة على الأرض بعدما إرتطمت بوجهها..
"ربنا كشف كذبك يا هانم.. شوفي مين إللي فاضي يصورك وإنتي بتخونيني!.. عشان كده أنا عمري ما كنت فارق معاكي.. عشان كان في واحد تاني بيسلي أوقاتك! "

"سؤال واحد عايز أعرف مين ده وحصل من إمتى؟ وليه؟ ليه؟"
قالت ه ببرود: "أنا آسفة.. حبيته.. كانت كام مرة وبطلت أشوفه.. بس عملت كده فعلا.. "
"أنا مش مصدق نفسي" ! "مين هو! ليه يا نهلة ! ليه!"

"مش مهم مين هو المهم إنك عرفت.. إحنا بشر.. وربنا بيغفر.. وأنا رغم حبي ليه مقصرتش معاك في حاجة!"
"إنتي خنتيني! خاينة! وأنا عمري ماهسانحك على ده.. ولا عمري هثق فيكي تاني أبداً.. لولا إن في بيني بينك ولاد أنا كنت قتلتم ولا وديتك السجن.. بس أنا هاكتفي بأني أطلقك وأحاول أنسى سنين عمري إللي قضيتها مع حيوانة زيك.. وولادي هاخدهم.. أنا محبش ولادي يتربوا مع واحدة زيك"

"تطلقني ماشي.. ولادي لأ!"

"لأ هاخدهم! وغصب عنك بدل مافضحك وسط الناس بالصور إللي معايا! عامة إنتي طالق.. بالثلاثة! وولدي هاخدهم بطريقتي"
بصق على الصور ورحل..

في صباح اليوم التالي.. إصطحبت نهلة أولادها إلى المطار.. وسافرت إلى ألمانيا حيث تقطن عائلتها المهاجرة منذ عقود هناك.. وتركت كل شئ ورائها ورحلت.. فلم يعد لها في هذه البلد مكان ولا عزيز بعدما جاءت إلى مصر معه منذ سنوات من أجل الحب والزواج..

ولكن تركت شيئاً واحداً لصديقتها لترسله لهادي زوجها بعد نتهاء عدتها الشرعية.. مظروف آخر..
فوجئ هادي بسفرها وسفر أولاده بادر برفع دعوى قضائية ضدها بخطف أولاده.. وقرر أن يفضحها حتى يسترد أولاده مرة أخرى!

وفي اليوم التالي لإنتهاء عدتها الشرعية.. زارته صديقة نهلة.. وفي يدها المظروف..

وبعد أن طردها عدة مرات.. أصرت على إعطائه ما بحوزتها.. وغادرت..
لم يستطع أن يتحكم في فضوله.. فتح المظروف.. ووجد إسطوانة وعدة صور فارغة.. صور لنفس الرجل بنفس المواضع ولكن دون زوجته.. ووجد خطاب..


" هادي.. زوجي الذي أحببت وتركت كل عائلتي ومستقبلي من أجله.. أعلم أن ما حدث بيننا أكبر من أن نلخصه في كلمات.. ولكنك لم تكن لتسمع لو شرحت لك.. ولم تكن لتشعر مهما بالغت في وصفي.. فالنار التي أوقدتها داخلي لن يطفئها شئ.. وما هذا الخطاب إلا ليعلمك شيئاً عن ما تشعر به النساء.. في الإسطوانة ستجد الصور الأصلية لممثل ميكسيكي في عدة مشاهد من أفلامه.. قد قمت بتعديلها بعدما إستغرقني الأمر شهور لأصور نفسي في نفس المواضع حتى تبدو وكأنها صور طبيعية وكنت أعلم أن هول الصدمة لن يجعلك تركز في تفاصيلها كثيرا.. لم أكن أريد إلا أن تشعر بما شعرت به عندما اعترفت لي بحبك لأخرى.. بزواجك بأخرى.. كنت أود أن أريك ما يحدث بذهني.. كيف أتخيلك وأنت بأحضان أخرى؟ تحبها وتتودد إليها.. تحبها وتغازلها وتستمتع برفقتها.. ثم تعود إلي وتقول لي إنني شئ مختلف؟ أنني حبك الأول والأخير.. ربما أباح الله حق الزواج بأربعة نساء.. ولكنه لم يعطيني القدرة على إستيعاب ذلك.. على تحمل أن أكون واحدة من أدوات متعتك.. لأنني تصورت أن بيننا شئ صعب تكراره.. لا يتحداه شئ.. لا بمكن للأيام أن تفعل به شيئاً إلا أن تزيده قوة..
لم أكن أريد عتابك فمصالحتك حتى ينتهي بي الحال ملامة أنني لم أسامحك.. أردتك أن تعرف أنني لا اقوى مثلك على الخيانة.. وأردتني أن أعرف أنك لا تقوى على ما كنت ستطلبه مني..
فعلت ذلك حتى أنقذني من ضعفي أمامك.. ولكنك لم تحتمل أن أرضى.. فقد أردت أن ترى حبي رغم حيانتك.. أن ترى ألمي في متعتك.. أن ترى تضحيتي في سبيل طمعك وشهوتك..
ما رأيته في صوري هو ما رأيته أنا كل ليلة في أحلامي.. والنار التي أوقدتها بك.. هي النار الموقدة داخلي منذ يوم مصارحتك لي.. لم أكن أريد إلا جفائك وطلاقك حتى يتسنى لي نسيانك.. فلم تترك بيننا ما يسع الكلمات..
زوجتك لم تخونك يوما وأنت خنتها كل يوم لمدة عام.. أن لم تتحمل فكرة خيانة عابرة وكنت تطلب مني تحمل خيانتك المستمرة!
أتمنى أن تقدم لك زوجتك الحالية ما لم أستطع أنا تقديمه.. فالقليل والكثير ليس بمؤثر فيمن لا يشبع.. والعتاب ليس بموضعه لخائن..
الرضا قرار يا هادي لم تقوى أنت عليه
نهلة..
________________
وضع الإسطوانة في الحاسب الآلي..
ووجد عليها الكثير من الملفات.. جميعها صور.. أجزاء من صور.. نفس الصور التي تلقاها من قبل ولكن لسيدات غير زوجته!
بحث على الإنترنت.. وجد أنه بالفعل ممثل.. يا لغباؤه!
كثير من المشاعر المتضاربة.. فرحة.. حزن. ندم.. حنين.. حسرة.. قضايا.. زوجة. حب.. ظلم.. أولاده.. سفر.. خسارة.. إلخ..
إلتحقت نهلة بالجامعة مرة أخرى هناك لإستكمال دراساتها العليا.. وإلتحق أولادها بمدارس ألمانية..
ها هي تبدأ من جديد..
وها هو يفهم من البداية..