Thursday, May 1, 2014

أمنية..


في طريقي للمنزل..

كان حاملاً للعديد من الأكياس البيضاوية الملونة.. المملوءة هواء وبعض السكر المتنكر في صورة قطنية.. إنها أكياس غزل البنات.. في هدوء كان يمر أمام كل السيارات التي لم يجبرها إلا إلزحام للتوقف له.. كان يقف بإبتسامة يعرض أكياسه خفيفة الوزن للبيع..  معظم سائقو السيارات لم يعيروه إنتباه.. بعضهم لم ينظر حتى إليه.. والباقي لوحوا بإيديهم شكراً حينا وحينا قالت أيديهم بصوت غير مسموع "إبتعد عن هنا أيها الحثالة"..

الجميع كان منعزلاً داخل سيارته المكيفة.. أما هو فكان منخرط تماماً في عمله وكأن حرارة الشمس الحارقة و العرق الذي يتصبب من كل أنحاء جبينه لا وجود لهما..

كانت سيارة من بين كل عشرة سيارات تبتاع منه كيساً أو أثنان.. وإبتسامته لم تفارق وجهه..

جاء دور سيارتي لتستقر أمامه.. وبنفس الإبتسامة أشار إلى أكياسه لعلني أبتاع منه.. فقلت له: "أعطني عشرة أكياس من فضلك"  فرد بسعادة: "من عيوني"

ورأيت كيف أنفرجت أساريره من الطلب.. وأخذ يقطع الأكياس بحماس..

أعطاني ما طلبت وأعطيته ما طلب.. ولسبب ما أعددت الأكياس ووجدت أن بحوزتي إحدى عشرة فقلت له: " من فضلك معي أزيد مما طلبت بواحد وهذا حسابه"..  فقال:" نعم أعلم ولكنه هدية مني لك.. "

أحببت الرجل أكثر.. فأخرجت مبلغاً آخر من المال وقلت له: "أيمكنك أن تقبل ذلك مني؟" فنظر إلي نظرة بها من العفة والإحراج.. الحزن والتوسل بألا أكرر طلبي حتى لا يزيد إحراجه.. وفهمت.. وفهم هو أنني فهمت.. وإنصرف عني ولكني لم أنس إبتسامته العزبة ولا العفة في صوته ونظراته.. ربما يملك هذا الرجل من العزة ما لا يملكه العديد من راكبي السيارات الفارهة..

وفي اليوم التالي رأيته.. من شرفة منزلي.. وعلمت أنه ربما أتخذ من هذا الموقع مقراً له لإزدحامه الشديد.. كنت أراقبه كثيراً لا أدري لماذا.. ربما لأنه رغم ظروفه الصعبة قدر على الإحتفاظ بالإبتسامته وهو لا يملك عُشر ما نملك.. ونحن مهما تراكمت ممتلكاتنا وإنجازاتنا مازلنا نلعن الدنيا ونلعن أنفسنا..

بدأت تصويره كل يوم لمدة بضع دقائق.. دقائق متفرقة.. أحياناً من شرفتي وأحياناً  من الشارع.. ورأيت كيف يعطي إبن حارس العقار غزل البنات دون ثمن.. ورأيت كيف يُقبّل المال قبل أن يضعه في جيبه.. ورأيته وهو يكف عن العمل ليصلي في الجامع.. فعلت هذا لبضعة أيام.. ربما أسابيع.. ولا أدري ما الذي شدني إليه.. ولكن كان به شئ جاذب لي..

في اليوم التالي أردت أن أذهب إليه وكلي شغف أن أسأله عنه.. عن حياته.. عن أولاده.. ولماذا يعمل هو بهذه السن..  ولكن إستحيت فطلبت من حارس العقار أن يسأله كم يكسب في اليوم.. وأن يبشره بأن المبلغ سيصله كل شهر دون الحاجة للعمل..

ولكن جاءني رد حارس العقار بأنه لا يعمل من أجل المال.. ولكنه يحب أن يكون وسط الناس..

فاجئني رده أن يحب هذا الرجل أناس معظمهم لا يكترثون لأمره.. لا يهتمون بوجوده أو بما يفعل..  ربما يعتقده معظمهم عالة وحثالة لابد من القضاء عليها لتنقية البلد من هذه المظاهر الغير حضارية..

فذهبت أنا بنفسي إليه.. وقلت ومحاولة إنتقاء الألفاظ كي لا أجرحه: "يا حاج أرئف لحالك وأنت تقف يوميا في هذا الطقس الحار.. فلماذا ترفض أن يأتيك المال وأنت تستمتع بما تبقى لك من العمر.. ؟"

فرد عليّ دون إستغراب من سؤالي ودون أن يتردد: "لا أملك من الدنيا شيئاً ولا أحداً.. لا أريد أن أموت وحدي.. أنا في هذا المكان منذ أكثر من عشرين عاماً.. ربما عندما أتوفى يتذكرني أحدهم بإبتسامة.."

مرت سنوات.. وحال الرجل كما هو.. وحال الناس كما هو.. إلا أن وهنه زاد أكثر.. بدأت أصوره من جديد.. كل يوم.. حتى جاء يوم اختفى فيه "عم صبحي".. فسألت الحارس قال أنه لم يأت اليوم..

غاب عم صبحي لأكثر من أسبوع..  سألت الحارس عن عنوانه فقال أنه يعرفه.. أعطيته مبلغاً من المال وطلبت منه أن يزره ويطمئنني عليه..

وحدث ما كنت أتوقعه.. كان عم صبحي مستلق على فراشه..مريض.. عليل..  ربما ينتظر الموت.. لا يملك من الدنيا شيئاً كما قال ولكنه لم يعلم أن لا أحد تذكره بإبتسامة أو بسوء.. لم يكترث العالم ولا المارة الذين حفظوا وجهه له من الساس.. لم يفتقده أحدهم.. لم يستطع كل طفل أخذ منه كيس غزل البنات مجاناً أن يرد له الجميل..

فقررت أن أفعل له شيئاً..

جمعت كل اللقطات التي قمت بتصويرها.. صنعت فيلماً قصيرا منها.. ربما كان واضح تدهور صحته وضوحاً جلياً في افيلم.. واختتمته بأنه عاش حياته وسيفارقها بعد قليل ولم يكن له إلا أمنية واحدة.. أن يتذكره أحدهم بإبتسامة.. أن يشعر أنه جاء الدنيا بالفعل .. أنه كان هنا..

وعلى الموقع المشهور رفعت الفيلم القصير وطلبت مٍن منَ يكترث أن يشاركنا زيارته بعد ثلاثة أيام.. لم أكن أدري هل سيصمد لهذا التاريخ أم لا..

مرت الثلاثة أيام وشاهد الفيديو الآلاف.. وذهبت جموع لزيارته..

ورغم الأثقال التي شعرنا بها على صدره وهو يستنشق الهواء إلا أن إبتسامته هذه المرة كانت إبتسامة حقيقية.. إبتسامة رضا عن يقين.. وكأنه كان يبتسم طوال حياته من أجل هذه اللحظة..

استمر بعض الشباب في زيارته ومنهم من تكفل بعلاجه.. ومنهم من تكفل بطعامه.. حتى فارق الحياة..

فارق عم صبحي الحياة ولكن شهدت جنازته العديد من الناس.. كل كان يدعي له.. بعضهم كان يبكي.. بعضهم كان صامتاً.. ولكنني على يقين بأنه هو من سيتذكرنا اليوم بإبتسامة.. ونحن من سنتذكره باسى.. لأنه يذكرنا بكم نحن مشغولون بانفسنا وحياتنا.. كم من ذنب يومي نرتكبه لأننا لا نريد أن ننشغل بأحد غيرنا..

وكعم صبحي ملايين يعيشون على هذه الأرض.. لا يطمعون في جاه أو مال أو سلطة.. لا يطمعون في دنيا.. لا يريدون من الدنيا شئ غير قدر من الإهتمام..

الاهتمام..

Friday, February 14, 2014

في حضن رجل..



حضرت طعام اليوم.. صنعت له طاجن اللحم الذي يفضله..
وصل الأولاد من المدرسة.. حضرت لهم الطعام  قبل ميعاد وصول أبيهم حتى يتسنى هم البدء بالإستذكار..  وإنتظرته هي كعادتها..

رن هاتفها..
"حبيبي.."
"نهلة.. إزيك.."
"الحمد لله.. إيه هتتأخر إنهاردة؟
"لأ أنا جاي في الطريق وعايز نتغدى بره النهاردة.. عايزك في موضوع مهم.."
"أنا جهزت الأكل خلاص.. بس حاضر زي ما تحب..إنت كويس طيب قلقتني..؟"
"آه كويس.. حضري نفسك 15 دقيقة وهاكون عندك إن شاء الله"..
"حاضر.."

تملك منها القلق.. كانت تحدث نفسها..  لماذا يبدو صوته جاد لهذه الدرجة؟ ماذا حدث له؟ لماذا لا نتكلم في المنزل؟ يا رب خير..
تركت الخادمة مع الأولاد..

جاء... خرجت له.. إستقلت السيارة.. قبًلها.. قبلته.. إنطلق بالسيارة في صمت..

نظرت له وهي حائرة.. ماذا يختبئ وراء كل هذا الغموض.. حاولت أن تساله ولكنه رفض أن يفصح عن ما في قلبه حتى يصلا..
صمتت.. الإنتظار كاد أن يقتلها..

وصلا المطعم ولاحظت أن عينه تتجنب النظر لها.. فبادرت بالسؤال..
"هادي.. أنت كويس؟ مالك؟ فيه مشكلة في الشغل؟ مشكلة فلوس؟ فيك إيه"؟
نظر إليها بإستحياء..
"هكلمك بصراحة ومن غير لف ولا دوران.. بس أرجوكي حاولي تفهميني وتتحكمي في إنفعالاتك"..
"ماشي ده شكله موضوع خطير أوي.." قالت وهي تضحك ساخرة من جديته..
"إنتي عارفة أنت حب حياتي.. بس الحقيقة أنا بقالي فترة مخبي عليكي حاجة عارف إنه من حقك تعرفيها.. بس ده من خوفي علينا"
"أيوه أنا سامعاك"..
"الحقيقة أنا متجوز واحدة تانية بقالي تقريباً سنة.. ماعتقدش أن عمري قصرت معاكي ولا حسستك إني مش موجود"
لم تختفي إبتسامة نهلة.. وهي تسمعه..
هزت رأسها ليكمل..
فبدأ يتلعثم وهو يكمل حديثه لا يدري ماذا تعي هذه الإبتسامة..

" حبيبتي أنا عارف إنك مصدومة فيا.. بس أنا غصب عني حبيتها.. هي زميلتي في الشغل.. إنسانة محترمة جداً.. كانت مطلقة ولا تنجب.. بسرعة الأمور بيننا إتطورت ولقيت نفسي بتعلق بيها.. بس ده عمره ما قصر على شعوري تجاهك.. ولا قلل منه.."

"تمام.. وإيه المطلوب مني؟"

"أنا بس ضميري كان مأنبني أني بكذب عليكي. وشايف إنه حقك تعرفي.. وإتأخرت في مصارحتك عشان أثبتلك أن علاقتي بيك مش هتتقصر بوجودها وأن حبي ليكي مافيش حاجة تهزه.."

"بتحبها أكثر مني"

"لأ طبعا.. إنتي حاجة وهي حاجة.."


"طيب أنا بس كنت بطمن.. ماتقلقش حبيبي.. أنا مسامحاك.."

"مسامحاني بالسهولة دي؟"

"ايوة مش أنت مبسوط؟"

"مبسوط لو إنتي مبسوطة؟"

"وأنا مبسطة طول ما إنت مبسوط وعندك حق.. مافيش حاجة إتأثرت.. أنا كنت مبسوطة جدا معاك.. وهافضل مبسوطة.. يعني كله زي الأول إيه الجديد..؟"

"مش شايفة إن في حاجة جديدة؟ مش غيرانة؟"

"إللي بيحب يغير لصالح إللي يحبه.. يعني يغير عشان يخليه مبسوط.. سعيد أكثر.. لكن الغيرة دي حب تملك.. وأنا عمري ما كنت عايزة أمتلكك"..

"حبيبتي ربنا يخليكي.. متتصوريش ريحتيني إزاي.. طول عمرك عاقلة.. وأنا أوعدك عمري ماهجيب سيرتها ولا عمرك هتشوفيها.. وهتفضل حياتنا زي ما هي.. "

"طبعا يا حبيبي هتفضل ي ما هي.. إبتسمت له وقالت مش نطلب الأكل بقى؟

لم يفهم هادي ما جرى رغم إرتياحه بردة فعلها.. هل حقاً قبلت بهذه السهولة؟ لماذا لم تصدم حتى؟ لماذا لم تندهش؟ أكانت تعلم من قبل؟ لماذا هي مبتسمة؟ ألا تحبه؟ ألا تغار عليه؟ ألا تتألم أن إمرأة أخرى تشاركها فيه؟
إنتها من الأكل. وصلا منزلهما.. قضيت الليلة وزوجته مازال مبتسمة.. مازالت رائعة كعادتها.. تخدم الجميع.. هادئة.. بشوشة..

ولكن داخله شئ كان ينغص عليه الراحة.. ربما لم يشعر بقيمته عندها.. بعد عشر سنوات من الزواج.. لم يشعر أنها إهتزت عندما سمعت الخبر حتى..

مرت أكثر من ثلاثة أشهر.. وزوجته لم تتغير.. لم تمنع نفسها عنه.. لم تغير معاملتها.. لم تسأل عنها مرة أخرى.. لا شئ تغير.. لا شئ ابداً.. لم يرها تبكي مرة حتى.. لم يسمعها مرة تسأله إن كان يحبها أكثر منها.. إن كان يراها جميلة كما كانت من سنوات..

وبدأ يتأملها.. أحقاً يعرفها؟

أحقاً يعرف من هي وكيف تفكر وكيف تشعر؟

ولكن لماذا ترك لنفسه المساحة ليحب أخى.. أقصرت في حقه يوما؟

نعم ربما أصبحت أقل اهتماماً به.. من أجل الأطفال.. ربما أصبحت أقل اهتماما بمظهرها.. بسبب ما عليها من أعباء.. ربما زادت بعد الكيلوجرامات.. ربما تغير شكلها قليلاً.. وزوجته الأخرى توفر له كل ما هو ناقص عندها.. فاصبح لا يلومها على تقصيرها في حقه.. أصبح لا يتشكى من فقدان الرومانسية بينهما.. فهناك أخرى تقوم بهذا الدور..

ولكن مازال لا يفهم ردة فعلها..فهي ليست طبيعية أبدا لزوجة أفنت حياتها من أجله ومن أجل أولاده.. على الأقل تخاصمه فيحايلها.. تغضب فيهدئها.. تترك المنزل فيقدم لها الهدايا ويترجاها لتسامحه! ألهذه الدرجة لا تهتم بوجوده..

نعم فاولادها هم حياتها.. أما هو فأصبح على الهامش.. ليس له نفس الأهمية كسابق..  لم تعد تحبه كما كانت تفعل من قبل..

نعم لهذا تسببت هي في هذا الوضع.. لعلها تعلم كل ذلك وتريده..

رغم أنها لم تتغير معه أبداً.. تغير هو معها شيئاً فشيئاً.. بدأ ينهرها لأتفه الأسباب.. يتشاجر على أشياء فارغة.. يخاصمها.. يستفزها.. لعلها تغضب مرة وتقول أنها تحملت كثيرا.. أنها لم تعد تطيق التفكير به وهو مع أخرى.. أن تفعل أي شئ.. ترميه بشئ حاد.. تبكي.. تحزن.. على الأقل تحزن!

ولكنها كانت كالصخرة.. لا يؤثر بها شيئاً..

بدأ يحدث بينهما هذا الفتور..
هذا الجفاء التدريجي الذي لا يقوى على تفسيره أحد..
كثرت لحظات الصمت بينهما..
برودها يقتله.. يمزقه.. 

حتى أصبح يغادر المنزل باكرا يقضي طوال النهار في العمل.. وليلاً عند زوجته الأخرى.. ويعود في المساء.. فتقابله نهلة بنفس الاهمتام.. بنفس الإبتسامة..
فيستشيط غضبا..

كاد أن يضربها عدة مرات.. يصرخ فيها.. لأنها لا تشعر بشئ.. قلبها متحجر.. مشاعرها باردة جامدة..
ثم قرر  أن يترك المنزل.. ربما تشعر بغيابه.. فهو لم يعد لها مكان معها على أية حال..
ومرت عدة شهور أخرى..

لم تحادثه ولو مرة..
لم تكلمه لتطمئن عليه..
وبات يرى أولاده في المدرسة فقط.. ويرسل معهم النقود..
وقلبه يتمزق على فراقها.. فحبها كان ما ينير عليه حياته لسنوات.. لم يتصور أن يفقدها بهذا الشكل أبداً.. لم يتصور أن يكون دون قيمة عندها..

حتى جاء هذا اليوم.. الذي فسر كل تصرفاتها..
جاءه ذلك المظروف.. في محل عمله..
لم يصدق ما رآه..
أغلق باب مكتبه..
أخرج كل الصور من المظروف..

أخذ يدقق النظر.. نعم إنها زوجته.. نعم.. هذه تفاصيل جسدها التي يحفظها عن ظهر قلب..
ومن هذا الرجل بجوارها.. من هذا الرجل الذي يحتضنها.. يقبلها!
كاد عقله أن ينفجر.. لم يستوعب ما يرى..

زوجته ورجل آخر في أماكن متفرقة.. على سرير مرة.. جالسة مرة.. مستلقية مرة.. واقفة..
زوجته في حضن آخر..

نظر في المظروف لعله يجد أي علامة من أرسله.. أرسل إلى العام بالمكتب يسأله.. قال شخص على دراجة نارية أوصله..
لملم الصور بسرعة.. وترك مكتبه..
كان يقود سيارته وهو يبكي.. يبكي بحرقة..  ألهذا لم تكترث لزواجه.. من هو هذا الرجل.. من أين عرفته. منذ متى؟ وهل تعرفه حتى الآن؟ أين يتقابلا؟ ماذا يفعل معها حين تذهب إليها؟ هل رأى جسدها كما رآه هو؟ سيقتلها.. سيقتله.. سيقتلهما..

لا فهي لا تستحق أن يلوث دمه بيدها..
ولكن على الأقل يواجهها.. يعاتبها.. كان قلبه يحترق.. فكان حقا يحبها ولم يتوقع أن تفعل هي ذلك... ولكن متى.. فهو لم يشك بها لحظة.. لم تغادر المنزل ولا مرة دون علمه.. كيف تفعل ذلك! كيف!
وصل بيته.. أخرج المفتاح وهو في تردد.. ماذا ستفعل عندما يواجهها..

هو داخل المنزل كان يبحث عنها.. وجدها في غرفتها تصلي.. إنتظرها حتى إنتهت من الصلاة.. قام بالتصفيق..

"لا بجد برافو عليكي! قادرة إزاي تصلي وإنتي بتعملي ده! يا سافلة! يا خاينة!"

لم تدر ظهرها.. لملمت المصلاة.. خلعت طرحتها وبهدوء نظرت إليه.. كانت تتفحص وجهه فقد مرت بضعة أشهر منذ آخر مرة رأته..

أخرج الصور.. وألقاها متفرقة على الأرض بعدما إرتطمت بوجهها..
"ربنا كشف كذبك يا هانم.. شوفي مين إللي فاضي يصورك وإنتي بتخونيني!.. عشان كده أنا عمري ما كنت فارق معاكي.. عشان كان في واحد تاني بيسلي أوقاتك! "

"سؤال واحد عايز أعرف مين ده وحصل من إمتى؟ وليه؟ ليه؟"
قالت ه ببرود: "أنا آسفة.. حبيته.. كانت كام مرة وبطلت أشوفه.. بس عملت كده فعلا.. "
"أنا مش مصدق نفسي" ! "مين هو! ليه يا نهلة ! ليه!"

"مش مهم مين هو المهم إنك عرفت.. إحنا بشر.. وربنا بيغفر.. وأنا رغم حبي ليه مقصرتش معاك في حاجة!"
"إنتي خنتيني! خاينة! وأنا عمري ماهسانحك على ده.. ولا عمري هثق فيكي تاني أبداً.. لولا إن في بيني بينك ولاد أنا كنت قتلتم ولا وديتك السجن.. بس أنا هاكتفي بأني أطلقك وأحاول أنسى سنين عمري إللي قضيتها مع حيوانة زيك.. وولادي هاخدهم.. أنا محبش ولادي يتربوا مع واحدة زيك"

"تطلقني ماشي.. ولادي لأ!"

"لأ هاخدهم! وغصب عنك بدل مافضحك وسط الناس بالصور إللي معايا! عامة إنتي طالق.. بالثلاثة! وولدي هاخدهم بطريقتي"
بصق على الصور ورحل..

في صباح اليوم التالي.. إصطحبت نهلة أولادها إلى المطار.. وسافرت إلى ألمانيا حيث تقطن عائلتها المهاجرة منذ عقود هناك.. وتركت كل شئ ورائها ورحلت.. فلم يعد لها في هذه البلد مكان ولا عزيز بعدما جاءت إلى مصر معه منذ سنوات من أجل الحب والزواج..

ولكن تركت شيئاً واحداً لصديقتها لترسله لهادي زوجها بعد نتهاء عدتها الشرعية.. مظروف آخر..
فوجئ هادي بسفرها وسفر أولاده بادر برفع دعوى قضائية ضدها بخطف أولاده.. وقرر أن يفضحها حتى يسترد أولاده مرة أخرى!

وفي اليوم التالي لإنتهاء عدتها الشرعية.. زارته صديقة نهلة.. وفي يدها المظروف..

وبعد أن طردها عدة مرات.. أصرت على إعطائه ما بحوزتها.. وغادرت..
لم يستطع أن يتحكم في فضوله.. فتح المظروف.. ووجد إسطوانة وعدة صور فارغة.. صور لنفس الرجل بنفس المواضع ولكن دون زوجته.. ووجد خطاب..


" هادي.. زوجي الذي أحببت وتركت كل عائلتي ومستقبلي من أجله.. أعلم أن ما حدث بيننا أكبر من أن نلخصه في كلمات.. ولكنك لم تكن لتسمع لو شرحت لك.. ولم تكن لتشعر مهما بالغت في وصفي.. فالنار التي أوقدتها داخلي لن يطفئها شئ.. وما هذا الخطاب إلا ليعلمك شيئاً عن ما تشعر به النساء.. في الإسطوانة ستجد الصور الأصلية لممثل ميكسيكي في عدة مشاهد من أفلامه.. قد قمت بتعديلها بعدما إستغرقني الأمر شهور لأصور نفسي في نفس المواضع حتى تبدو وكأنها صور طبيعية وكنت أعلم أن هول الصدمة لن يجعلك تركز في تفاصيلها كثيرا.. لم أكن أريد إلا أن تشعر بما شعرت به عندما اعترفت لي بحبك لأخرى.. بزواجك بأخرى.. كنت أود أن أريك ما يحدث بذهني.. كيف أتخيلك وأنت بأحضان أخرى؟ تحبها وتتودد إليها.. تحبها وتغازلها وتستمتع برفقتها.. ثم تعود إلي وتقول لي إنني شئ مختلف؟ أنني حبك الأول والأخير.. ربما أباح الله حق الزواج بأربعة نساء.. ولكنه لم يعطيني القدرة على إستيعاب ذلك.. على تحمل أن أكون واحدة من أدوات متعتك.. لأنني تصورت أن بيننا شئ صعب تكراره.. لا يتحداه شئ.. لا بمكن للأيام أن تفعل به شيئاً إلا أن تزيده قوة..
لم أكن أريد عتابك فمصالحتك حتى ينتهي بي الحال ملامة أنني لم أسامحك.. أردتك أن تعرف أنني لا اقوى مثلك على الخيانة.. وأردتني أن أعرف أنك لا تقوى على ما كنت ستطلبه مني..
فعلت ذلك حتى أنقذني من ضعفي أمامك.. ولكنك لم تحتمل أن أرضى.. فقد أردت أن ترى حبي رغم حيانتك.. أن ترى ألمي في متعتك.. أن ترى تضحيتي في سبيل طمعك وشهوتك..
ما رأيته في صوري هو ما رأيته أنا كل ليلة في أحلامي.. والنار التي أوقدتها بك.. هي النار الموقدة داخلي منذ يوم مصارحتك لي.. لم أكن أريد إلا جفائك وطلاقك حتى يتسنى لي نسيانك.. فلم تترك بيننا ما يسع الكلمات..
زوجتك لم تخونك يوما وأنت خنتها كل يوم لمدة عام.. أن لم تتحمل فكرة خيانة عابرة وكنت تطلب مني تحمل خيانتك المستمرة!
أتمنى أن تقدم لك زوجتك الحالية ما لم أستطع أنا تقديمه.. فالقليل والكثير ليس بمؤثر فيمن لا يشبع.. والعتاب ليس بموضعه لخائن..
الرضا قرار يا هادي لم تقوى أنت عليه
نهلة..
________________
وضع الإسطوانة في الحاسب الآلي..
ووجد عليها الكثير من الملفات.. جميعها صور.. أجزاء من صور.. نفس الصور التي تلقاها من قبل ولكن لسيدات غير زوجته!
بحث على الإنترنت.. وجد أنه بالفعل ممثل.. يا لغباؤه!
كثير من المشاعر المتضاربة.. فرحة.. حزن. ندم.. حنين.. حسرة.. قضايا.. زوجة. حب.. ظلم.. أولاده.. سفر.. خسارة.. إلخ..
إلتحقت نهلة بالجامعة مرة أخرى هناك لإستكمال دراساتها العليا.. وإلتحق أولادها بمدارس ألمانية..
ها هي تبدأ من جديد..
وها هو يفهم من البداية..





Saturday, July 13, 2013

تخاريف لا معنى لها!

على شرفة هذا النهر الذي لم أزره قط.. أجلس وأمامي طاقم القهوة الفاخر.. أبيض تزين أطرافه ألوان ذهبية وزرقاء.. طبق فنجاني غير مستوية أطرافه لا هو دائرة ولا مربع شكله.. شكله عشوائي ولذلك أحبه..
أرتشف قهوتي ببطء.. فأنا لا أحب القهوة على أية حال ولكن أحياناً أجبرني على أن أفعل أشياء لا أحبها.. أتنفرد الدنيا بهذه الهواية وحدها؟ لا لابد أن تجد لها منازع.. وأنا أنازعها في نفسي..
أمسك قلمي.. أكتب كلمات لا معنى لها.. لن يقرأها أحد وإن قرأها أحدهم لن يفهمها.. ولكن لما نكتب إذا لم يقرأ أحدهم؟ إذا لم يعجب أحدهم؟
 لأن الكتابة قرار.. الكتابة عالم لا يسكنه إلا حفنة من المجانين الحكماء..
لا أدري إن كنت منهم.. لا أدري إذا كنت أكتب لأجد لي تصنيفاً وسط هذه العشوائية حولي.. ووسط هذا الضجيج أمر على الموجودين واحد بعد الآخر اسأله: أتدري من أكون؟ أتدري اين المفروض أن أكون؟ أتدري ما يناسبني أن أكونه؟
ينظر إلي الجميع بإستغراب.. لا يهم.. على الأقل جنوني يلفت النظر؟
لكن هل يمحي الجنون الألم؟ هل يناوره؟
لا بل يتحد معه لينتج شيئاً أكثر جنوناً أكثر الماً.. لا يغير شيئاً ولكن يعترف بضعف أنتج قوة.. وبقوة لن تؤدي بك إلا لضعف..
على أطراف مخي يجلس المشاهدون.. ينتظرون ماذا سأقدم لهم اليوم.. طبق حاذق أم حلو كثير سكره؟
لا أدري اليوم ساقدم طبق لن يأكله أحد.. ألا يمكن أن يكون الأكل للمشاهدة أحياناً؟ كاللعب والرسم على كرة البطيخ التي يشّرحها الرسام ليتباهى بقدرته على الرسم بالسكين.. الرسم بالقسوة أحياناً ينتج فن!
تخاريف لا معنى لها.. لا تنتظر أن تعرف ماذا أريد أن اقول.. فأنا لا أكتب لك.. ولا أكتب لأحد.. لأنني عندما أكتب لكم أفقد نفسي وأتوه عني وأقول ما لا أريد أن اقول.. ولذلك سيدي لا تحتاج إلى قراءة أي مما أكتب فهناك ملايين تكتب ما تريد ن تسمعه.. وإذا قررت البقاء لفترة أطول مع تخاريفي فاستمتع..
حسناً نعود إلى هذا الشاب الممسك بالناي الذي يعزف على ضفاف نهر أحبه لا أطوله.. لا أرى وجهه.. ممشوق جسده.. طويل ولكنه هزيل.. أتعزف ليكترث لك أحداً؟ يعجبني ما تعزف.. يعجبني ألمك.. اصفق لك هنا ولكنك لا تسمعني.. ولكن لا يهم..
عن الجمال.. أسالني كثيراً ما الجمال وأسميني أسماءاً كثيراً فكتوريا هو إسمي المفضل.. فكتوريا العذراء.. فكتوريا الجميلة وفكتوريا القوية بإختلاف نسخها.. أحبها.. فهي المجنونة المعقدة القوية المبهرة المنكسرة..
أيكون هناك جمال أفضل من جمال الخليط؟ 


استراح فنجاني من رجرجته في يدي ومن اقترابي غير المحبب له وتوقفت عن التفكير وقررت إرتداء فستاني المزين بخيوط متداخلة من الخلف.. وضعت القبعة المليئة بالريشات على شعراتي الذهبية.. إرتديت حذائي..
وتوجهت إلى الشارع..
لا أدري ماذا سافعل ربما سأبحث عن بعض الطيور البيضاء لأطعمها في غابة لا يوجد فيها غيري..
عزيزي فرناندو الذي لا أعرفك.. أتمنى أن تكون ناظر إلي كما كنت أنظر لعازف الناي.. صفق لي في رأسك.. وإحتضنني في قلبك.. لعلنا يوماً نتقابل في أذهان بعضنا؟ ثم تقبلني قبلة عنوة سأتبعها بصفعة على وجنتك لنقبل بعضنا قبلة أخرى قبل الوداع.. عزيزي فرناندو هذه المرة سأرحل..



Friday, April 26, 2013

دعوة لحب العاهرات..


أمر كل يوم بجانب العديد من الملاهى الليلية وأرى هؤلاءالنساء فى إنتظار إشارة منى ليقدمن أجسادهن مقابل 
 حفنة من النقود,كل يوم يفتننى جمال واحدة ولكن سرعان ما يملؤنى الغضب.. انظر إليها بإحتقار وانطلقبسيارتى بعيداً عن بؤرة الرذيلة تلك وأنا أردد “استغفر الله العظيم”.
اذهب إلى بيتى أجد زوجتى فى إنتظارى بعفتها وجمالهافيزيد إحتقارى لهن...ومرت الأيام على نفس الحال,  ولكن فى يوم وأنا فى طريقى للبيت, رأيتها جميلةوجذابة, لم أستطع أن اقاوم تلك الرغبة بداخلى, توقفت وبعد ثوان كانت داخل سيارتى,لم اتحدث, فقط نظرت فى عينيها لدقائق برفق.. ربما شفقة, رأيت عينيها مغرورقة بالدموع .. لعلهافهمتني..لم أستطع أن أراها جسد فقط.. رأيت فيها إنسان.. رأيت فيها أمي وأختي,واستحيت من كل رجل استباحها ثم سبها وغادروكأنه لم يفعل شيئاً.. 

سألتها إن كانت تود أن تشرب شيئاً.. فشكرتني بهدوء..فقررت أن أهديها كتاباً قبل أن أغادر.. كتاب عن فهم الله.. ثم تمنيت لها ليلةسعيدة وغادرت.. لن أنسى نظرتها الممتنة.. لن أنسى مسكتها لكتاب ربما لن تقرأهأبداً.. ولكنني فقط آثرت مصلحتها على رغبتي وشهوتي, فربما لأني أحببتها كإنسانوليس أداة..
غادرت و أنا سعيد لأنى عندما احببتها واحببت كل العاهراترأيت كيف يمكننى أن اساعدهن! وبدلاً من إحتقارهن ثم مشاركتهن الرذيلة, سألت نفسيلما لا نحبهن ونساعدهن بالإيثار؟
فالحب هو إنجذاب وشهوة وإيثار, ولكن للأسف لا يجمعنابالعاهرات غير الشهوة والإحتقار,أو إحدهما وابداً الإيثار, بالرغم من أنهن يعرضنلأن دائماً هناك من يطلب..

فنحن لا نبالى أن معظمهن قد تعرضن لتحرش جنسي فى الصغر,لا نبالي بالفقر والضعف, وعندما يقعن ننهال عليهن بالسكاكين لندمرهن ثم نحملهن كلالذنب ونفر هاربين بدلاً من أن نكون أيادى تنتشلهن وتنقذهن.
بالحب نستطيع أن نهزم رغبتنا فى مشاهدة الأفلام الإباحية,بالحب نستطيع أن نوقف التجارة بهؤلاء العاهرات.
وليس فقط من أجلهن, بل من أجلنا أيضاً, فأثبتت الدراسات أنهبعد سنوات من مشاهدة هذه المنتجات الإباحية يدرب الرجل عقله أن يرى المرأة مجرد أجزاء جنسية و يقيم المرأة بقدر الشهوةالذى يشعر به تجاهها ويهمل الشخصية والروح, فضلاً عن توقعه الزائف أنه بمقدورزوجته أن تكون كل هؤلاء النساء في إمرأة واحدة, وعندما لا يجد ما توقعه بعد زواجه  يصطدم بالواقع ويحبط , فيخسر حاضره ومستقبله كماخشر ماضيه.
هكذا انتهى جايسون إيفريت الواعظ الكاثوليكى المنادىبالعفة من خطابه مع مراهقين فى الخامسة عشر من عمرهم ليساعدهم على التغلب على شهواتهموالتوقف عن مشاهدة الأفلام الإباحية.
هذا هو شكل الخطاب الدينى فى المجتمع الغربى... بسيط.. حقيقيومنطقي..

فدعونا نتخيل شيخ أو داعية فى مدرسة ثانوية فى مصر, نتخيل شكل ولهجة خطابه؟
وهنا أنا لا أقلل من قيمة أو شأن ولا علم شيوخنا.. ولكنهدفي هو مقارنة الخطاب الدينى فى الدول العربية والغربية,  فالأول دائماً مشبع بالمنطق, الفلسفة, النقاش والذكاءفى إختيار اللهجة والمنهج حسب الجمهور دون تقليل من إيمانهم بالله ولا درجةتدينهم.. ودون أن أصنع من نفسى ملاك لا يخطأ, بينما الأخير دائماً محاط بأوامر ونواهىنكتفى بأنها إلهية أو دينية وننتظر أن يقتنع بها ويطبقها الناس دون تفكير دون سؤالدون مناقشة.. ونفس الناس التي تتبع دون تفكير هم الذين يصنعون من الشيخ او الداعيةرسول !

كم بيت يعانى من أزواج يقيمون علاقات مع عاهرات؟ أو منأبناء يشاهدون صور و أفلام لهؤلاء العاهرات؟ كم من شاب او شابة  يسألون أنفسهم ما الضرر فى مشاهدة المجلات اوالأفلام الإباحية؟ فهى ليست بزنى ولي الحق فى أن اضعف وأنا محاط بكل هذه الشهواتالتى تحاصرنى من كل جانب !
و كم مرة كانت الإجابة "بحرام حرام حرام" فقط!!؟
مصر تحتل المركز الثالث عالميا بحثاً عن الجنس على الإنترنتكما ذكرت صحيفة الأهرام, والمركز الثاني فى التحرش الجنسي كما ذكر المركز المصرىلحقوق المرأة فى مصر..
 لم تعد كلمة"حرام شرعا" كافية لتتوقف هذه الظواهر !
فعقولنا تحتاج لأكثر من مجرد احكام و أوامر دينية,فالدين منطق ولذلك قال الله تعالى :
"ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِالْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ", صدق الله العظيم.
لم لا نستخدم المنطق, الحكمة والفلسفة لنساعد الناس علىتطويع  أنفسهم؟ إلى متى سنظل خائفين منالسؤال في الدين ونعتبره كفر وتجرأ وإنعدام إيمان وثقة بالله؟ بالرغم من أن القرآنأكد ان الجدل وجوده حقيقة مع وضوح الأحكام , فقد قال تعالى : وَلَقَدْ صَرَّفْنَافِي هَذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَكَانَ الْإِنْسَانُأَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا.يعضكم قد يرى هذه الأية سلبية.. ولكنني أجدها واقعية.. مادام فطرة الإنسان علىالجدل واقع.. ‘ذا التعامل معها بحكمة لايد أن يكون واقع أيضاً

  لماذانغذى الروح بالدين ونهمل غذاء العقل والجسد بالمنطق والحجج ؟

  لم لا نعترفاننا من أكثر الشعوب تمسحاً بالدين وأقلهم إعمالاً بها؟ مع أننا نتفاخر بأننا دولةإسلامية ! ونتحسر على الإنحلال المتفشى فى الدولة الغربية ونجعل من أنفسنا أئمةعلى حسابهم وننعتهم بالكفرة؟
إلا أن فيهم من يفهمون وينادون بالإسلام بمنطقهم وفلسفتهمدون أن يُكتب فى البطاقة مسلم !

 وفي هذا السياق لا يحضرني إلا ما متبته أحدهن عن العاهرة التي ألقت بنفسها من البلكونة عارية بعدما اقتحمت قوات الشركة الشقة في أحد الأحياء الشعبية فرمت لها سيدة مفرش سرير يسترها.. فإذا بالذكرو الوحوش الذيت تبرءوا من إنسانيتهم إلا أن إنهالوا عليها يتسابقون ويتناوبون على إعتصايها أو سرقة لمسة أو مسكة من جسدها! 
أهذا ما منا سنفعل لو أحببنا أنفسنا وأحببناها؟

دعوتى لنحب العاهرات, هى دعوة جايسون ايفريت لنحاربالإباحية, نحاربها بالحب والإيثار.. هكذا إختار الواعظ " المسيحي"الأمريكى من الحب طريقاً ليس فقط  ليدعوإلى العفة والتوقف عن مشاهدة الإفلام الإباحية, بل ليدعو إلى الصبر والإيثار.. التضحيةوالاحتشام في ملابس المرأة..
 فهو يدعوللإسلام واختار من المنطق منهجاً ليقنع به كل من يريد المجادلة, فأحسن المجادلة عنالدين بالمنطق دون أن يذكره, فعندما إقتنع العقل سلمت له الروح و إندفعت وراءهتؤيده.
هذا المقال يعرض جانب من المجتمع الغربى الذي نعتبره منحط!

 إنها دعوة لإعمالالعقل وتنقية القلب.. دعوة للإعتراف بالمسئولية .. إنها دعوة لحب النفس وحب الناسوحب المجرم والمذنب والضعيف والتائه وتقديم يد المساعدة لهم بدلاً من المساهمة فيإنحلالهم بسلبيتنا أو بعنفنا.. إنها دعوة لأحياء الدين في أخلاقيتنا.. في سلوكياتنا.. إنها دعوة للحب..



Friday, January 11, 2013

حالي


حالي كحال قبيحاً في أرض الجمال.. كافراً في أرض الأيمان.. يائساً في أرض الأحلام..
حالي كحال وردة تصارع عاصفة قاسية لا تكترث لصرخاتها ولا لوجودها..
حالي كحال عجوز تحلم بالزفاف..
مشلولاً يحلم ببطولة الأوليمبيات..
كفيفاً يحلم بالنظر في المرآه..
حالي كحال  ضائعاً في طرقات بلد أجنبي.. لا يتكلم لغته و لا يقوى على الإنتظار فيه..
أنا شحاذاً لكل ما لا أملك.. مستهتراً بكل ما لدي..
أنا العاهرة التي لم تخطئ أبداُ.. أنا السافرة التي لم تفتن أحداً..

أنا باب تستتر خلفي كل النوايا و الأحلام.. و مرأة لكل أه  و وجع و داء..
أنا من أصرخ دون صوت.. و أنعي دون بكاء..
أنا من أضحك فتضحك لي السماء.. و بعد الضحك أسأل.. لماذا كان؟
حالي لا يسر و لا يحزن.. أنا نقطة استفهام!
أنا قطرة.. و زهرة و شمعة.. أنا سر دون عنوان..

أنا مفتاح لقفل لم يصنع.. انا بريق نجمة لن تسطع..
أنا كلمات من فمك لن تخرج.. أنا آلام في روحك لم تصدق..
فلا بقيت و لا خرجت.. و لا ثارت و لا سكنت..
أنا من لا تعرف الحياة و تخاصمها.. و عنها لا تستغنى..
فبها عين تحلم .. و بها قلب يخشى... و بها أمل يتخفى..
مال حياتي و مالي.. تطلبني و لا أعصي و لا أرضخ..

و لا أنكر حب أكرهه.. و لا أطلب كرهه أبداً..
و لا أعيش و لا أموت و لا أستمتع...
أنا من أعصي الإمكانية بتمرد..
تمرد عصي يأبى أن يركع..
و في الركوع سكنى و عز و فخر..
قوة و حكمة تسبح في نهر..
يبصر كل قلب أعمى.. يرشد كل مركب ضاع...
يروى كل أرواح عطشى.. يسكن كل إبليس هائج..
 و لكن للنفس ما تطلب.. و الهوى يخالفها..
و للروح ما تحلم .. و الجسد يقيدها..
و يظل عقلي يصادقني.. و أفكاري تصارحني..
أفبها أصل و أرضى؟ أم بها أتعب و أشقى؟

Sunday, July 15, 2012

اتحرش بيكي.. تستاهلي!


إيه اللي ملبسك كده؟
إيه اللي منزلك لوحدك؟
إيه اللي خلاكي تردي عليه؟
إيه اللي ماشاكي في الشارع ده؟
إيه اللي منزلك في الوقت ده!؟
 أول ما يعمل فيكي كده إجري على طول!
سمعتي ده كم مرة؟ ماسمعتيش إيه من اللي فوق؟
سئمت.. سئمت من مجتمع لا يلقي اللوم إلا على جنس واحد!
سئمت من مجتمع ينتهك حق الضحية ويبقى الجاني.. حر سالم مُكرم معزز!
منذ أن كنت صغيرة وأبي الذي يعمل قاضياً.. متفتح الذهن.. الذي حقق وفصل في أبشع الجرائم رباني على أن أكون فتاة شعارها "صم بكم عمي" عندما يعاكسني أو يتحرش بي رجل في الشارع وأنا وحدي.. أكون صماء بكماء عمياء!
هكذا كان يقول لي.. أن البنت المحترمة لا يعلو صوتها في الشارع, وإن تعدى عليك رجل لفظاً أو فعلاً ..تظاهري بأنه شيئاً لم يحدث فيمر الموقف بسلام وتخرجين منه سالمة غانمة..  واخدين بالكوا من "سالمة"؟  وكأن التحرش عندما يحدث يتركني "سالمة"!
 كان يبرر ذلك ويقول: "ربما يقع في طريقك واحد "قليل الأدب" أو بلطجي.. فيتطاول عليك ضرباً ويومها تكن المصيبة الكبرى..! "
يعني إنه يضربني مصيبة؟ لكن يتحرش بيا عادي؟
آه عادي طول ما محدش عارف.. طول مامحدش شاف.. طول ماهو بيحصل كل يوم! ومادام جت على أد مسكة صغيرة يبقى كويس.. ولو كانت أطول.. حاولي تنسيها.. آمال هتفضحي نفسك؟  من الآخر يعني يقصدوا مادام جت فيكي أنتي يبقى مش مشكلة! ملحوقة!  
للأسف.. صدقته.. وإلتزمت بنصائحه.. وأعتقد أن جميع الأهالي لقنوا بناتهم نفس الدرس.. وجميعنا فهمنا الدرس..  وإلتزمنا بنصائحهم البالية التي فيها من الجريمة أكثر من الشرف!
فأهلنا علمونا أن نحافظ على شرف شكلي.. ونتغاضى عن كل ما هو عميق!
وسؤالي لكل أب وأم يؤمنون بذلك؟ أتربي إبنتك على خوف يعرضها إلى مزيد من الإنتهاك؟
وهم الشرف الذي ربينا عليه زائف! فوقي .. الشرف ليس ما يبدأ بالسكوت والحياء والوجنتين الحمراوتين.. ليس الذي ينتهي عند غشاء بكارة.. ده كلام فارغ! الشرف هو الدفاع عن الحق!  سكوتك على إنتهاك حدث مش حياء ومش أدب! دي جريمة! ندفع تمنها جميعنا.. نحن النساء!

قبل الحجاب.. كان يتطاول علي الجميع.. قولاً وفعلاً.. وكنت دائماً.. صامتة.. خائفة.. سلبية.. أعود إلى بيتي حاملة كل مشاعر القرف والإشمئزاز.. اللوم على ملابسي وعلى خروجي وحدي.. وكنت أقول لنفسي "لولا (ملابسي, مشيتي المتبخترة,.. إلخ) ما تحرش بي أحد.."
فارتديت الحجاب بسبب التحرش أو خوفاً من التحرش إيماناً مني بأن المتحرش لا يلام إذا كانت ملابسي مثيرة! ولذلك حرصت على أن تكون ملابسي فضفاضة.. لا تشف ولا تصف.. ولكن لم يكفوا عني.. استمر التحرش دون سبب.. واستمر سكوتي أيضاً..!
عندما كبرت.. وأصبح تاريخي وتاريخ زميلاتي ملغم بأقذر مواقف التحرش التي قابلناها بالصمت والعمى.. وبعدما أصبحت المعاكسات ورد يومي يظبط مزاج الباشا ويعكنن على أهلي..يجرحني وينتهكني..  وجدت أن الوحيد الذي يخرج من الموقف بسلام هو المتحرش! أما أنا فأعود بخيبتي وبجسدي الذي أصبح فجأة ملكية عامة باسم الأدب.. باسم الخوف.. باسم السلبية!
بدأت أفكر.. في أي تاريخ وفي أي زمن كان السكوت حلاً أو أداة للتغيير؟ وبأي منطق يكن ضربي أقل فداحة من التحرش بي أو بجزء من جسدي؟ وبأي منطق يكن لمس ظهري أقل فداحة من لمس صدري؟
بأي حق يطلب مني أن أكون سلبية حتى لا أنعت بالسافلة؟ أو حتى لا أعرض نفسي لأنتهاك أكبر؟
ودون مجهود في التحليل فهمت أن ما ربونا على أنه الدواء.. كان هو الداء..
صمتك هو ما يعطيه القوة!
سلبيتك هي ما تعطيه الحق في إنتهاك أكبر لجسدك وأجسادنا جميعاً!
ألان أصبحت أعي أن الساكت عن الحق شيطان أخرس.. والساكت على إنتهاك حق ذنبه اشد من الشيطان نفسه!
دلوقتي مابقتش بسكت! بس انتي لسه بتسكتي! 
الشارع خلت منه الرجولة والنخوة.. نعم! لكن لا تجعلي ذلك سبباً لتكوني أكثر سلبية..
أنا قرأت المقالة التي إنتشرت بشكل موسع على مواقع التواصل الإجتماعي التي جمعت كل تغريدات التحرش.. وكان ذلك بمثابة إعتراف أن ضحيات التحرش لسن بالقليلات! فهن كثر!
طيب  فكروا أن في إتحادنا قوة !
عايزة أقولكم حاجة! اليوم كنت سأضرب بسببكم .. نساء ورجال!
ايوة.. حاول يتحرش بيا.. ! .. شتمته.. كان بجح.. استعرض قوته وهم أن يضربني ولم يتدخل أحد من المارة.. شتمته مرة أخرى وهددته بأني سوف ألقنه درساً وأطلب النجدة ونزلت عليه بكل ما أعرف من سباب "محترم".. لم يخف مني.. بل سبني بأخرى "قذرة"  وهددني بالضرب  ولكن لم أخف منه.. انتهى الموقف عندما تدخل "رجل" أجبره على الرحيل..  ولكن عارفين فكرت في إيه؟
إن كل ده بسببكم!
بجاحته دي بسببكم!
تطاوله عليا ده بسببكم!
لو كان بيتبهدل كل مرة يعمل فيها كده كان فكر ألف مرة قبل ما يمد أيده عليا! أو عليكي!
بس كل اللي حصل كان بسبب سكوتك إنتي.. بسبب سكوتك أنت!
ومع ذلك,  اليوم أطلب منك أنت, المرأة.. الفتاة..  أستحلفك بأي إله تعبديه أن تقولي لا!
قولي لا للتحرش بنفسك!
الشارع لن يتغير بسكوتك!
ثوري .. لا تطلبي العون من الرجال! بل إنتزعي حقك في الحرية.. في الكرامة والسلامة..
ثوري على كل كلب ود أن يتمتع بك متعة لحظية يعود بها بيته في إنبساط وتعودي أنتي بإنكسار.. بل هو من يستحق الإنكسار.. الضرب والعقاب..
إعلمي أن كل مرة تسكتي تزيدي من إحتمالية تعرض بنت ثانية للتحرش! ايوة أنتي!  دافعي عن نفسك وعننا جميعاً.. واعرفي أن كل مرة تهزأيه .. تبهدليه بتقللي من فرصة أن ده يحصل لغيرك..
لا تصمتي.. ولا تتجاهلي ما حدث بك..
لا تعودي إلى منزلك مكسورة وتتركيه مرفوع الرأس معتقد أنه عنتر الهمام الذي إمتلك الشارع بإناثه!
ثوري فصمتك جعل أجسادنا مباحة.. وخطواتنا مقيدة!
ثوري على نفس الأب والأم الذان رباه على الحق في الإنتهاك.. وربوكي على واجب الصمت..
ثوري فالمتحرش ضعيف جبان.. وأنت قوية بدفاعك عن حقك!
ثوري الشارع لن يتغير بالصمت.. والأيادي لن تكف عنك بالإنكار.. أو النسيان!
ثوري فالمجرم مهما تطاول سيعاقب..
ثوري فضعفك يغذي قوته!
صدقي أنك قادرة على تغيير الواقع..
ثوري على اللي يبسبس واللي يتنح في جسمك.. ثوري على اللي يتكلم واللي يلمس! ثوري على بيقوفلك بالعربية ويفتح لك بابها على اساس أن كلنا فتيات ليل! ثوري على سواق التاكسي اللي بيبصلك في المراية بسفالة.. ثوري على اللي يكلمك بحنان ورقة وانتي بتشتري من الكشك أو بتدفعي أجرة الأتوبيس.. ثوري على اللي بيتلزق فيكي واللي بيخبط قال يعني غصب عنه!

ثوري فالثورة قوية بالإتحاد!
أبوس اياديكن جميعاً, كفانا صمت.. كفانا سلبية.. الصمت عمل فيكي إيه؟ جربي مرة سلاح القوة وهاتشوفي أن الحرية طعمها أحلى من الأمان المزيف..الحرية طعمها أحلى من الخوف!
اللي يمد إيدوا عليكي إقطعيها ولو كلفك ذلك عمرك!
صدقيني كده هندافع عن بعض!
لو لم نطالب نحن بحقنا وندافع عنه, كيف سينال المجرم عقابه!؟
ابوس ايديكي ماتسكتيش!
أبوس أيديكي.. ماتسكتيش!


ميرال المصري