استيقظت فجأة, نظرت إلى الساعة وجدتها الساعة الثانية والنصف صباحاً... نظرت إليه بحب وهو مستغرق فى النوم بجانبها... وعلى وجهه إبتسامة رضا وإطمئنان... ابتسمت وهى تتسلل من تحت يديه بعد أن رفعت الغطاء خوفاً أن يستيقظ...
إرتدت الروب..
فتحت باب الشرفة.. خرجت إلى الهواء.. كانت السماء صافية والطقس جميل مائل إلى البرودة... ظلت متأملة فى السماء للحظات وجسدها يرتجف بين الحين والآخر عندما يداعبها الهواء البارد...
قالت لنفسها بحماس "الآن ! ولم لا !؟"
دخلت مسرعة إلى على ...
ايقظته بلمسات حانية.. صوتها كان عال منتعش وكلماتها تكاد تكون غير مفهومة من سرعتها... استيقظ مفزوع وقبل أن يتفوه.. وضعت يدها على فمه وأخذت تتوسل إليه أن يقوم ليرتدى ملابسه ليخرجا الآن ..
" ها ... لماذا...؟ " قالها وهو مازال يفرك عينيه ليجبر نفسه ألا يغفو مرة أخرى !!
لم تجاوبه.. أضاءت نور الغرفة.. فتحت خزانة الملابس وهى سعيدة يملؤها النشاط والحماس...
" ماذا تريد أن ترتدى؟ .. هذا... بل هذا".. قالتها والضحكات تفصل كلماتها ...
وهو ينظر إليها بحب .. باستغراب وإستنكار وهو يتساءل سراً "يا ترى ماذا سنفعل اليوم؟ أياً كان سأستمتع مادمت بجانبي.. ألا أحبها؟
ارتدا ملابسهما... وهو ينظر إليها فى حيرة .. " ماذا الآن؟ "
لم تتحدث كثيراً, فقط كانت تضحك وتجيب على كل سؤال بقبلة, فيتقبلها ويصبر وهو يبتسم !
ارتدت حذائها , لفت نفسها بشال أحمر تعلم أنه يحبه..
فتحت الدرج وأخذت منه حقيبة بلاستيكية صغيرة , لم يلبث أن يرى ماذا يحتوى حتى أخفته فى حقيبتها بسرعة, لم يسألها لأنه يعلم أنها لن تجاوبه ...
- " الصبر طيب " قالها محاولاً تهدئة نفسه..
وقفت أمامه وتأكدت من أن ملابسه مهندمة... قبلته مرة أخرى, وهو قد بدء يستشيط غضباً.
أمسكت يده وتسللا ببطء على السلم حتى لا يستيقظ والديه الذان يعيشان معهما فى نفس المنزل..
خرجا من باب المنزل.. الظلام مازال حالك والبرد لطيف.. الشارع خال ...
كان ينظر حوله فى حيرة ويتساءل ماذا الآن؟
نظر إليها فوجدها بدأت تجري متجهة إلى السيارة وهى منتشية..
كان يشاهدها بحب و قد أجبرته تصرفاتها على الابتسام..
فهو يحبها فى كل الأحوال... ولكنه لم يراها سعيدة بهذا القدر من قبل ... تبعها وهو يضحك على نفسه!
وصلا إلى السيارة.. تولى هو القيادة وهو ينظر إليها فى يأس أن يستوعب ماذا يحدث .. أدار محرك السيارة وأنطلقت السيارة.. أزاحت هي سقف السيارة, وأخذ الهواء يضرب وجههما وجسدهما..
هى مستمتعة و سعيدة.. بدأت تصرخ من الفرحة والإنسجام وهو ينظر إليها فى سعادة وذهنه يقول "مجنووونة" .. ثم بدأ يصرخ هو الآخر وهو يضحك "إلى أين؟ "...
لم تجاوبه.. فقط أغلقت عينيها وبسطت ذراعيها كأنها تحتضن الهواء ...
ففهم ما تريده...
استغل ان الشوارع خالية فأخذ يزيد من السرعة.. وهى تصرخ أكثر.. فهو يعلم كم تحب الهواء والسرعة ...
إتسعت إبتسامتها... لأنه فعل ما كانت تريده ...
نظرا إلى بعضهما .. نظرة تفاهم .. إقتربت منه .. مستمتعة بالهواء والسرعة ... وهو يفكر كيف يشعر بكل هذه السعادة لمجرد أنها معه؟ مع أنها ترهقه احياناً ولكنه راضي أنه قادر على إسعادها بهذا القدر ...
و هي أيضاً كانت تنظر إليه برضا وحب ... نظرة تغمره بالدفء بالرغم من برودة الجو.
فتحت حقيبتها لتفتح هذه الحقيبة البلاستيكية الصغيرة..أصابته الدهشة وتأكد انها مجنونة بالفعل عندما بدأت فى نفخ البالونة تلو الأخرى ...
بعد أن نفختهم جميعاً , وطدتهم بنفس الحبل.. ثم أطلقتهم فى الهواء... وأخذت تشاهد هذه الكتلة الكبيرة وهى تطير فى الهواء الطلق...
نظرت إلى البالونة الأخيرة فى يدها...
وطلبت منه أن يوقف السيارة أمام البحر ...
بدءا فى المشى ..
شكرته لأنه لم يخذلها و لبى رغبتها...
ألصقت جسدها به ليحتضنها...
احتضنها وهو يتنهد .. راض بقدره أن تكون زوجته الحبيبة مجنونة.. فعلمت بما يفكر فضربته ضربة خفيفة على صدره.. فأخذا يضحكان ...
مرت ساعتان... وهى لم تتوقف عن شكره ...
وهم جالسان يتبادلان الأحاديث والحكايات ..
لم يشعرا بالوقت يمر.. بل شعرا أنهما امتلكا الدنيا بما فيها.. .إحساس الفرحة والرضى والإطمئنان يغمرهما ...
توقفا عن الحديث لفترة.. مستمتعين بالسكون من حولهما ... وبوجودهما مع بعضهما... فهو لم يشعر بهذه السعادة كما شعر اليوم...
هل الشروق..
كانت قد نامت على كتفه...
كم يحبها وهى بسيطة... وكم يعشقها وهى مجنونة وبريئة..
فحملها إلى السيارة ...
نامت طوال طريق العودة , وهى ممسكة بالبالونة الوحيدة التى لم تنفخها...
....................................................................................................
فتح باب المنزل وهو ممسك بالبالونة... القى التحية على والدته التى كانت تتناول الفطور
و صعد إلى غرفته!
وصعدت أمه بعد مدة ...
طرقت الباب.. و لكن كالعادة ليست هناك اجابة...
فتحت الباب.. وجدته نائم وبجواره صورتها والبالونة الفارغة...
نظرت إليه فى حسرة وسألت الله أن يزيل همه...
فقد مرت ثلاث سنوات منذ وفاتها فجأة وهو على هذه الحال..
وهى مازالت تجهل إلى أين يذهب منذ الساعة الثالثة حتى السادسة صباحاً يومياً !
و ما قصة هذه البالونة !؟
خرجت.. ففتح عينيه وهو مستلقي على سريره يتأمل فى البالونة.. فهى ما تبقى منها..
فقد أطلقت السعادة بعيداً و تركت له ذكراها..
و مازال الحنين لا يكفى ...