Thursday, November 27, 2008

حديث الفراق...

طلبت مني أمي أن أجهز حقيبتي ... و قد فعلت في دقائق

كان الطريق طويلا و مظلما و أنا شاردة, ناظرة إلى السماء... أفكر كيف أتوقف عن التفكير و التذكر, بالرغم من أنني لا أريد النسيان


وصلنا البيت فى القاهرة و استقبلتنا نظرة حارس العقار بحسرة و حزن و هو يقول البقاء لله

نعم إنها ثواني و سوف أكون هناك ... لا أريد أن أصعد ولكن ليس لدي مكان آخر أقصده

فتحت أمي الباب و لم أستطع الهروب من الرائحة التي اخترقت أنفي.. إنها رائحتها, مع مزيج من الروائح الأخرى .. مسك و ماء
الورد و رائحة بكاء و حزن لا يمكن ألا تميزها

إنه نفس المنزل الذي غادرته منذ ثلاثة أيام ... نفس الأثاث و نفس الترتيب... و لكنه أصبح شيخا حزينا و مظلما فجأة

هناك شيء ينقصني كي أشعر أنه بيتي... إنها هي

غادرت منذ ثلاثة أيام معها و قد فارقتها روحها... و ذهبت أنا لأفارقها و أعود بدونها, و لكنى سلكت طريق مختلف بعيد عن طريق روحها المجهول

اتكأت على مسندة السلم الحديدية, و لم يتوقف ذهني عن استرجاع كل شيء حدث في ذلك اليوم... كل ثانية... كل ما شعرت به... كل من كان يتحرك فى هذا المكان فى هذا اليوم

و بدأت الأرض تروي لي كيف استقبلت دموعنا في تلك الليلة, و حاولت الجدران احتضاني و لكني رفضت خوفا من أن أقتنع أنها ذهبت و تركتني بالفعل ... مازلت أشعر بها هنا ... و لكن شعوري لم يستطع التغلب على ذاكرتي

و مع كل درجة من درجات السلم أتذكر

نعم تذكرت صرخة أمي لأنها لا تسمع صوت أنفاسها, و تذكرت نفسي حافية القدمين أهرول لأثبت لها أنها بخير و أنها لم تفارق الحياة ... و أن كل شيء على ما يرام... و لحق بي إخوتي

وجدتها نائمة على جنبها الأيمن و عيناها مفتوحتان... و يدها اليمنى فوق اليسرى على السرير

نعم نائمة

اقتربت و ضربات قلبي تدق بقوة و ناديت عليها و لم تجاوبني, أمسكت يدها و لم تقاومني... راقبت أنفاسها بحذر و لم تكذب علي عيناي ... فليس هناك من شيء يدخل أو يخرج

إنها نائمة نعم و لكنها لن تصحو

لم اعى لما حولي حتى سمعت أخي ينادي على جارنا الطبيب الذي أتى بملابس النوم

و أفسحت له الطريق حتى يقول لي أنها تحتاج مستشفى أو أن نبضها ضعيف , ولكنه لم يقل شيئا

لم يقل غير البقاء لله

و غادر و تركنا مع ألمنا و حسرتنا

لم أقل شيئا.. أمسكت يدها ووجهي في السرير ... و لم أقل .. دموعي قالت و كل جسدي صرخ

نعم تذكرت كل ذلك
إنها غرفتها.. أأدخل؟ نعم سأدخل

و دخلت و رأيت الغرفة غير المرتبة......شممت رائحتها مختلطة بالروائح التي استخدموها في غسلها

فأنا بجوار سريرها... و رائحتها لم يقدر عليها هواء ثلاث ليال ... كل شيء كما هو و لكني لم أرك

هنا حدث كل ذلك

هنا أخذت الأقدام تأتي و تغادر من حولك ...هنا بكت الأعين.. و من هنا حاولوا إخراجي من غرفتك و لم أوافق,
هنا قاومت و حاربت كل من حاول أن يفرقك عني لأظل بجانبك حتى آخر لحظة

و هنا فارقت روحك هذا الحياة اللعينة

هنا قُرئت عليك آيات القرآن , و هنا أجهش صوتنا دعاءا و بكاءا .. حسرة على فراقك و رغبة في أن يرحمك الله
هنا نمت بجانبك جسد بلا حراك... ساكن .. ميت ... هنا أغمضت عيني و أرخيت جسدي و نمت بجانبك و لم اخف
لم أخف إلا من فراقك

و قد حدث

هنا غطوا وجهك بالملاءة ليعزلوكِ عن الدنيا ... ليثبتوا أنك رحلت

هنا لم يستجيبوا لرغبتي في أن أرى وجهك حتى آخر لحظة ... و استسلمت لوجودك بجانبي و أنا لا أرى منك شيئا
و هنا تشبثت يدي بيدك حتى طلعت الشمس ... و أيقظوني

و ظهرت السيدتان بالنقاب, يقرؤون علينا السلام و يدعون إليك بالرحمة ... يسألون اين الكفن !! ؟

كفن؟

أ توفيت حقا؟

ألن تفيقي مرة أخرى لتحتضنيني و تدعي لي؟

نعم.. بدأوا ينقلون أدوات الغسل

كان علي المغادرة لأني لم أستطع أن أشهد دليل ذهابك بلا عودة

كان علي أن أغادر أفضل من أن أراك ترحلين عني و أنا مغلولة الأيدي

و رحلت بردائى الأسود ليس حدادا على روحك و إنما حزنا على رحيلك و إعلانا عن انطفاء شمعة جميلة و دافئة في حياتي , سيصيبنى البرد و الظلام من بعدها

رحلت و قد كنت نور حياتي , قد كنت مصدر دفئي

رحلت و أنت كالشمعة التي كانت تحرق ذاتها من أجل الآخرين

و أنا رحلت ... بشفاه متشققة و عيون مخبأة وراء نظارات سوداء... خرجت إلى الشارع , ووجدت السيارات ووجدت الناس كما هم و الحياة كما هى ! و اندهشت ... فكيف لم تتوقف الحياة لرحيلك؟ و كيف سأحيا فى هذه الدنيا الغريبة علي و أنت لست فيها؟

جلست على الأرض بجانب سريرها و أنا أتذكر ... كل ما حدث ... و تذكرت

عندما قابلنى ألأصدقاء بالأحضان التي ارتميت فيها و أنا أجهش بكاءا و داخلي يتمزق و لا يكاد يصدق أنك رحلت, لم أشعر بشيء غير البرودة .. و تبلدت ... و عدت إلى المنزل و قد رحلوا و أخذوكِ لمحطتك الأخيرة فى الدنيا

و أصبح المنزل خاليا , و أصبحت فيه وحدي

نعم كل ذلك اصبح ملك ذاكرتي .. أملاك لن يفرط فيها قلبي

تذكرت و أنا وحدي أراقب كيف أزاحوا الكراسي ليمر كفنك, و كيف أزاحوا السجاد حتى لا تبتل بماء غسلك ... و تذكرت النوافذ المفتوحة لتطرد رائحتك و رائحة المسك و الورد الذى غسلتى به

تذكرت و أنا وحدي .. أدبر الحقيبة لأسافر و أحضر عزائك

و تذكرت الطريق الطويل الذي ناديت عليه لأسأله إن كان سيكون سببا في قبض روحي ... ووصولي كان إجابته بأن موعدها قد حان و لكن علي أنا الانتظار

و تقبلت إجابته, فليس لدى خيار آخر

وصلت ووجدت صوان العزاء و المئات يتوافدون, يلقون السلام و يتصافحون, منهم مبتسمون و منهم ليس على وجههم أي تعبير, و صوت آيات القرءان تخترق أذناي و تعلن عن رحيلك لكل هؤلاء الناس و تعلن لي بأن اللقاء أصبح شبه مستحيل

و دخلت عزاء السيدات ... و لكن لم تحملني قدماي و ساندني أخي حتى وصلت

نعم يا حبيبتي قد رحلت عن الدنيا و لكنك لم تفارقيني ... لم تتركيني كما وعدتني دائما

مرت أيام العزاء.. استقبلت فيهم أنا و أهلي الكثيرين ... معظمعم أتوا للواجب و قليلون حزنوا عليك .. كلهم قالوا "البقاء لله" و كلهم أخذوا يواسونني بنفس الطريقة

منهم من قال أنك كنت عجوز و الطبيعي أن تغادري ,
و منهم من قال مريضة و الموت لها راحة لابد أن نشكر الله عليها و لا نحزن,
و منهم من تفننوا فى الخرافات الخاصة بالموت .. البكاء ليلا يحرق المتوفى و البكاء نهارا حرام شرعا و آخرين قالوا كفر .. منهم من قال أننا أنانيون لأننا لا نشعر بالراحة لراحتها.. و الكثير من الكلام الذي لا ينقصنا و لا ينقصنا أصحابه


دموعي لم تفارقني

ثم توقفت الدموع فجأة و لم أعد أستطيع البكاء

و انتهى شريط هذه الذكرى و مازلت لا أستطيع البكاء , مازالت لا أشعر بالحزن .. بل أشعر بالراحة و الاطمئنان عليك وشوقي إليك لا تصفه كلمات

و احتياجي لك لن يقل يوم بعد آخر و لن يعوضك أحد

لا أعلم متى سأغادر أو كيف ستكون حياتي و لكني أعلم أنك ترينني و يمكنك الإحساس بي ... فأريدك أن تعلمى أننى احبك .. كما لن احب احد

أنا أردت أن أخلد لحظة رحيلك لأني أريد أن أنساها ... فلدي الكثير من الأشياء الجميلة عنك لأتذكرها

و أنا مازلت أتنفس ‍

3 comments:

SERENITY8 said...

I know it's not much but I hope that what i did was good not bad thing,,,,

http://serenity8.blogspot.com/2008/11/blog-post.html

Alchemist said...

لا حول ولا قوة إلا بالله "إن لله وإن إليه راجعون" واللهي يا ميرال انا مش عارف أقولك إيه في هذا الحدث الجلل فالكلام مهما كان منمق وصادق لا يواسي. بس كل اللي أقدر أقوله هو الدعاء لها بالرحمة وإني داعي فأمني ""اللهم يا ذا الجلال والإكرام أغفر لها ذنوبها وكفر عنها سيئاتها والحقها مع الأبرار يا أرحم الراحمين,اللهم ثبتها عند السؤال ,اللهم نقها من ذنوبها كما ينقي الثوب الأبيض من الدنس اللهم أغلسها من ذنوبها بالماء والثلج البرد,اللهم أجعل قبرها روضة من رياض الجنة,اللهم ائنس وحشتها وامن روعتها وأجعلها فيمن قلت فيهم رضي الله عنهم ورضوا عنه ,اللهم حلفت عليك أن تدخلها جنتك اللهم أن عبدتك قد شهدت لك بالوحدانية ولنبيك بالرسالة وماتت علي ذلك فأدخلها مدخل صدق يا رب العالمين اللهم استجب وصلي الله علي محمد وعلي آله وصحبه وسلم.
ربنا يصبرك يا ميرال ولا أقول غير إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن ولا نقول الا ما يرضي الرب,

Anonymous said...

لا حول ولا قوة إلا بالله "إن لله وإن إليه راجعون" ya rab yghfer kol znoobha w ydkhalha el gana men aws3 el abwab isa ...al bakah2 lelah ya miral....


ziad