



لم يستوعب الرجل طلبها , إعتقد أنه قد أخطىء السمع , فسألها مرة أخرى ... ذابلة؟؟
و لم يتأكد إلا بعد ان أخرجت وردة ذابلة من حقيبتها , داكنة اللون , متقشفة اوراقها التى تتساقط مع كل هزة, بلا رائحة... قالت له: مثل هذه!
أدخلت الوردة و أخرجت قائمة طويلة مدون فيها العديد من العناوين , لا يمكن حصرها, ثم وضعت على الطاولة مبلغ كبير جدا دون إنتظاره ليقول سعر معين, و هو لم يتحدث! لأن المبلغ كان أكبر بكثير مما كان يريده...
وضعت نظارتها السوداء على عينيها , و قالت له: فى خانة المرسِل, اكتب مجهول.
غادرت و تركت الرجل شاغر فاه من الذهول و الإستغراب, ينظر إليها و إلى القائمة و إلى النقود! و هو يفكر فى طلبها..
فطلبها كان وردة ذابلة لكل عنوان و الإهداء من مجهول.!!
قادت سيارتها فى هدوء تام , ثبات, ذهنها صافى ...
الليل بدأ يخيم, وصلت إلى بيتها الذى تسكن فيه وحدها , دخلت العمارة و لم تقابل أحدا فى طريقها إلى المصعد .
و قبل خروجها من المصعد, فتحت حقيبتها و تركت فيه الوردة على أرض المصعد.
فتحت باب المنزل , لم ترى شىء لأن الظلام كان حالك, و لكنها لم تضىء أى أنوار...
تحسست الطريق إلى غرفتها, وصلت إلى سريرها لتلتقط ثوبها الأسود المفروش عليه, و إستبدلت به ملابسها, و أمسكت بالشمعة التى كانت بجانب الثوب , شمعة صغيرة و هزيلة, أشعلتها و إستخدمتها لتصل إلى شباك التحكم الخاص بالكهرباء, و أقفلت جميع مفاتيحه.
كان الدمع يملأ عينيها, و لكنها لن تتوقف... فات الآوان !!
و لماذا توقف؟ من يكترث الآن؟
أخذت الكاسيت الصغير المجهز ليعمل بالبطارية , فيه شريط خال.
توجهت إلى الحمام, و ثبتت الشمعة على الحوض, و دهنت شفتيها بقلم الكحل حتى أصبحت سوداء تماما, شفاه ميتة !
حررت شعرها من كل ما فيه ...
ووضعت الكاسيت فى أعلى رف قريب من سقف الحمام, حتى يستطيع التسجيل إلى آخر لحظة.
تأكدت أن جميع مفاتيح المياة داخل الحمام قد نزعت و لم يتبقى إلا ماسورة واحدة التحكم فيها من خارج الحمام.
و فتحته من الخارج, ثم أغلقت باب الحمام, , أغلقته بالمفتاح مرتين...
ثم تخلصت من المفتاح من نافذة الحمام, و أغلقت النافذة, و لم يتبقى إلا هى و الشمعة داخل هذا السجن الإرادى.
إستلقت داخل حوض الإستحمام, فغمرت المياة الشديدة ثوبها... و آلمتها قوة إندفاع المياه و لكنها لا تستطيع إقفالها الآن...
إستسلمت لأغتصاب قطرات المياه لكل ذرة فى جسدها, أغمضت عينيها ,, و بكت.. بكاءا شديدا لم يسمعه غير الكاسيت الذى يسجل أنفاسها...
و لولا المياة لما علم أحد بوفاتها...
و حينها فقط علمت كل أسرة من أرسل الوردة و لماذا ذابلة, و لكن كان وقت إنقاذها قد فات...
فى أول لقاء جمعنى به, كان الإبتسامة تعلو وجهه, و الإحترام هو ما لا يمكن نسيانه عندما تذكر صفاته...
صوته الهادىء و مظهره المريح يجبرك على ان تقبله و ترتاح له و تحبه دون احتياجك لوقت أطول لتعرفه... تلمس فى معاملته حسن التربية و جمال التفهم, و تلمس فى كلماته ثقة مليئة بالتواضع.
قال لى ان العلاج سيستمر لمدة سنة أو سنة و نصف , مضت منهم سبعة أشهر, رأيته فيها عشرات المرات, لم أتخلف مرة واحدة عن ميعادى, و لم اضيع فرصة إصطحاب العديد من أصدقائى و أقاربى لأعرفهم عليه, الذين كانوا متشوقين لرؤيته من جمال وصفى له ...
كان هو طبيب الأسنان الجميل . دكتور أسامة زايد...
كان نعم الخلق و المهارة...
كان الأستاذ المتواضع و الطبيب الصادق المحترم ...
رحل فجأة بعد فترة مرض قصيرة, رحل و لم تسنح لى الفرصة بزيارته او بتعبيرى له عن مدى إحترامى و إعتزازى به...
رحل و قد لمست وفاته أعماق قلبى, و كم زلزلنى خبر وفاته ,وأوجعنى رحيله بالرغم من معرفتى القصيرة به...
رحل و هو تارك سمعة طيبة و سيرة جميلة تفخر بها عائلته و يفخر بها كل من يعرفه.
كان خير قدوة يقتدى بها , و خير رجل يعتمد عليه... و خير طبيب تثق فيه ...
رحل فى الخامس عشر من أكتوبر ... و لكنى لم أعلم بوفاته إلا اليوم ...
رحل و هو ما يزال فى ريعان الشباب... و لكن لم و لن تمحى وفاته حبنا ولا إحترامنا له ... و لن يقدر الزمن ان ينسينا إياه .
لن انساك يا طبيبى العزيز ... سيحفر حزنى صورتك الطيبة فى ذاكرتى , و ستظل نعم الطبيب و نعم الإنسان...
و لك فى قلبى كل الحب و التقدير ... و ما هذه الكلمات إلا محاولة ضعيفة منى أن أعبر عن مدى صدمتى و حزنى لرحيلك... و تخليدا لسيرتك الطيبة العطرة... و شكرا لك... و تحية منى لعائلتك الكريمة التى لها كل الفخر ان تكون عائلتك.
و ما دموعى إلا دليل على صدق حزنى ...
نعم رحل...
و لكن أملى ليس له حدود فى ان يتجاوز الله عن سيئاته , و ينعم عليه بالجنة.
اللهم ارحمه و بلغه الفردوس الأعلى و احشره مع الصالحين.
تحياتى يا طبيبي العزيز...
عندما كان يأتيها هاجس يكبل كل طموحاتها و يظلم أنوار إيمانها ليعلن أن حياتها قد ماتت و سوف تظل تموت و تغتال حتى يتم إعلان ميلاد موتها...
رأيت طريقها مضاء بأحلام محاطة بجروح فى الأعماق لا يستطيع أحد النظر إليها و لا تستطيع هى تجاهلها, جروح تحتاج لجسور الأمل لإنقاذها من بؤر اليأس المنتشرة فى كل مكان ...
قد تكون كلماتى مليئة بالحزن و لكننى أصف ما أرى.. و ما شعرت به عندما قابلتها...
و هى ليست ضعيفة و لا حياتها هى المأساة الكبرى ... ولا هى مجردة من الإرادة للتغلب على هذه المحن... و لكنها هى فريدة من نوعها.. تحمل بداخلها تناقضات ... تساؤلات و مخاوف و قدر كبير من الطموحات و الأحلام... أبحرت داخلها و لم أخف...
تنزف أعينها بدموع تملأ البحار. دموع حارة,عزيرة و لامعة , و أحزانها تكفى لتغطية قارات بالظلام و اليأس...
أحلامها إن تحققت تحولت الدنيا الى جنة يسكنها ملائكة ...
مليئة بالشفافية و الغموض, يصعب قرائتها بالرغم من صراحتها التى تثير دهشتى...
حياتها على نار, و لكن بداخلها هى مجمدة, بلا دفء, بلا مشاعر, داخلها هو ساحة الصراع بين الأحزان و الظلمات لتصادقها ...
مزقتها أحزانها الى ذرات حزن لا ترى ... وهبها الله عقل يفكر فى كل كبد يعيش فيه, و قلب يشعر ليتألم من جفائها تجاه نفسها .. من قسوتها العميقة على ذاتها... ومن اللذة الكاذبة التى إستمتعت بها كلما غاصت فى الحرمان...
هى إمرأة عاشت لتعطى و لا تشعر إلا كلما رنت أجراس الحزن فى سمائها ... عاشت لتكون راحة و سكن, و لكنها كانت تعلم أنها بئر من الأحزان و الأسرار التى حفظتها داخلها لتقتلها ببطء...
كانت تشعر بالحياة فى الخيال التى غاصت فيه وحدها...
قتلت داخلها الإحساس و إكتفت بتمثيله لكل من يحتاجه...
خلق الإحساس كى تشتاق إليه, و خلق الناس معا حتى نعطى للحاجة معنى, و حتى تزيد همومنا و نتذوق السعادة للحظات... خلق الحب بدون شروط لكى ندفع ثمن إستمتاعنا به بخسارتنا لمن نحب ... خلق لنا القلب الذى يحب و القلب الذى يقتل... هكذا نظرت الى الحياة ...
أطلقت العنان لخيالها ليقتلها و هى تتنفس لعل فى قتله رحمة لن تعرفها... و لكن كان صوت أنفاسها هو المذكر دائما بأنها حية ترزق... أنفاسها كانت تجرحها و تتحداها تعلن إستمرار إنتصارها دائما... فكانت أنفاسها تعطيها جرعات من الأمل القاتل الذى يبعدها عن الموت و يقربها من الحياة , فيذكرها بكذباتها بأنها ماتت...
كانت حية تتمنى الموت و عندما جاء لم تستطيع الفرار مما كانت دائما تتمنى... عندما كان تحقيق حلمها حلم تعيش عليه...
و فى لحظاتها الأخيرة تمنت أن تعود بها السنون لكى تغير ما كانت عليه... لكانت تخلصت من هذا الحزء الذى ينبض أفكار و ذلك الجزء الذى يفكر مشاعر... و ذلك الجزء الذى رفضها قبل أن تعرفه, و ذلك الشخص الذى جاء ظلمه ليصدمها بأنها لن تحبه...
و إعترفاتى ترى نهايتها الآن عند قبرها...
وسط زحام الأوراق , و هى منغمسة فى القراءة و الحفظ, كانت ياسمين تحاول إرغام نفسها على التركيز... محاولة إجبار نفسها ألا تفكر فى ذلك اليوم الذى يقترب ويقترب ... اليوم الذى تنتظره من ثلاث سنوات منذ أن عرفت" يوسف", تخيلت نفسها فى هذا الفستان الزهرى المنفوش... المطرز بحبات فضية تكاد لا ترى من صغرها, الذى إستغرقها ثلاث أشهر لتجده , و شهد صراخ يوسف يأسا أن تستقر على واحد ...
تخيلت ذلك اليوم و هى تجلس بجانبه و الكل محتشد من حولهما, الفرحة تملأ المكان, و العيون تتحدث أفضل بكثير من الألسنة, و الأوراق الذهبية و الفضية و الملونة تتساقط عليهم من كل حانب,, و الورود على الجانبين, تخيلت دموع والديها المليئة بالفرحة و الرحمة, الجميع فرح و سعيد, و لكن مهما بلغت سعادتهم لن توازى سعادتها ...
و بالرغم من جمال هذه اللحظة الحالمة, و لكن عادت لترغم نفسها على مواصلة المذاكرة, فالغد يشهد آخر إمتحاناتها فى الجامعة لتودع الدراسة لأجل هى تقرره, استطاعت السيطرة على افكارها و استعادت تركيزها و لكن الإبتسامة لم تغادر شفتيها الوردية اللون, و الحيوية تملأ وجهها, و ملامحها راسمة الفرحة و التمنى, وخصلات شعرها الذهبى تتسابق لتلمس خديها بنعومة و رشاقة, لتنغمس أصابعها لترغمه على الرجوع ...
و أثناء قرائتها لهذا المقال الذى كان يتحدث عن شكل الطبقات الإجتماعية و تكوينه فى المجتمع, تذكرت محاضرتها الطويلة ل "يوسف" محاولة إفهامه أهمية تناسب شكل الطبقات و تأثيرها على المجتمع و إستنادها بأمثلة بالتطبيق على عدة بلدان, فهى تدرس علم الإجتماع الذى صممت على دراسته ليتوافق مع ميولها للإصلاح , و التى يعشقها يوسف من أجلها , و لكنها لا تتوقف عن التحدث فى السياسة و حال البلد و ما تريد فعله , فتنتقد أحداث اليوم و أوضاع الناس و احوالهم و تستعرض ما يتعرضون له من مآسى , و تظل تتحدث كثيرا و"يوسف" يستمع إليها بهذه الإبتسامة الغنية بالأحاسيس و المعانى, إعجابا بها بل و أحيانا إنبهارا, إحتراما لها, إرغاما لنفسه أن يستمع الى موضوعات لم يتخيل يوما ان يعرف من يهتم بها, فهو بعيد كل البعد عن السياسة و الفكر الإصلاحى, بل لم يخطر فى ذهنه يوما التفكير بها, فكل عمله عبارة عن نظريات و حسابات و مسائل معقدة, بعيدة عن السياسة و الإجتماع, و لكنه يحب" ياسمين" كما هى, فابتسامته مليئة بالحب,الدعم , الإعجاب و الإهتمام, إبتسامة تعطى لياسمين بريق و أمل فى مستقبل مشرق, و تزيدها ثقة بنفسها و بقدراتها, و تزيدها حبا ل "يوسف"....
أصدرت ضحكة عالية ,و لكن لم تلبث و أن اقفلت بكفيها الصوت, فهى الواحدة صباحا, الكل نائم, و كم هو غبى أن يستيقظ أحدهم و يراها تضحك بمفردها ... أخذت ملامحها شكل الجدية مرة أخرى, و لكن بعد لحظات عادت الإبتسامة و هى تواصل القراءة بحماس... جرس التليفون المزعج جدا إخترق أذنيها, فأخذت تمتم بكلمات
تشتم بها إخوتها و تتوعد بقتلهم, فهى تترجى كل من فى البيت يوميا تقليص عدد اجهزة التليفون حتى لا يصبح إتصال أحدهم إحتفالا فى المنزل! و لكن لا أحد يكترث لكلامها.
"السلام عليكم"..
ياسمين:" و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته"
"ياسمين؟"
ياسمين" أيوة, مين؟"
" يوسف فى مستشفى الرحمة يا ياسمين, لقوه واقع على الأرض فى أوضته, مبينطقش"
ياسمين: " يوسف !!! "
فى عدة ثوان كان والدها قد إستيقظ و قامت بإرتداء عباءة الصلاة و أمسكت بيد أبيها و هو مازال بملابس النوم, هى التى قامت بالقيادة , تضغط على البنزين بكل قوتها, مندفعة فى الطرقات.. و أبيها يتمتم بآيات قرآنية و أدعية..
و تسارعت المشاهد فى ذهنها, أول مرة رأت فيها "يوسف" عندما تعطلت سيارتها و قام هو بالتطوع بتبديل عجلة السيارة, حتى تتبعه لها من خلال رقم السيارة, حتى وصل الى بيتها, و سيل الدموع لا يتوقف, و ضربات قلبها تتسارع... و المشاهد لا تتوقف ,عندما كان ينتظرها يوميا أمام المنزل صباحا و هى ذاهبة الى الجامعة لمدة سنتين, لتلتقى عيونهما بدون كلمات , اليوم الذى طرق فيه باب بيتها, اليوم الذى تحددت فيه ميعاد الخطوبة, فرحتها و تعبه معها لإختيار الفستان...
وصلت الى المستشفى , رأت يوسف مع والديه و صاحبه و هو يسنده على كتفه, فابتسمت إإبتسامة دهشة وسط هذا الفيضان من الدموع, و عيناها تلاقت مع عين يوسف الذى قابلها بابتسامة هو الآخر مشاورا بيديه لها, و لكن
تصطدم بها سيارة أخرى, فتنقلب السيارة عدة مرات , عندما وصل "يوسف"
الى السيارة وجد الروحان قد غادرا...
و نذهب و لكن تبقى اللحظات الحالمة..
it's a heavy burden, am suffering from…
It's the permanent pain, am trying to fight…
It's the sorrow that am trying to get rid of…
It's the fate that I can't refuse…
It's the death that's so vague but still controlling…
It's the past that I can't forget…
It's the present that am not accepting…
It's the future that am not sure I can face..
It's the unknown that am scared of…
It's the truth that am escaping from …
It's the love that's rarely found…
It's the life that's obligatory lived…
It's the decisions that ruin my life…
It's the boredom that insists to chum…
It's the barriers that we should face…
It's the injustice that became the title of life…
It's the cruelness that dominates…
It's the corruption that spreads everywhere…
It's the danger that should be there…
It's the need that we misuse…
It's the chances that we exert effort to lose …
It's the chaos that is dominating thoughts…
It's the failure that leads to success or death…
It's the words that can not always express…
It's the faults that show us the way…
It's the friendship that we can't enjoy…
It's the faith that we're living to doubt…
It's the lies that life needs to be colored…
It's the shame that carps one and attracts others…
It's the desires that deform humanity…
It's the fake life we believe it's real …
It's the happiness that we seek…
It's the memories that live so far away… but still so near…
It's the dreams that's keeping me alive …
It's the imagination that saves me most of the time …
It's the passion that steals moments in life …
But…
It's still the darkness where I find myself …